ويقال: أليس في الشاهد لا جسم إلا وتجوز عليه الشهوة والحاجة؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فلو كان تعالى جسما لجاز ذلك عليه، ولما كان غنيا حكيما في كل أفعاله.
فإن قال: نحن لا نريد بالجسم أنه مؤلف متحيز ونريد أنه قائم بذاته.
قلنا: قد أخطأت في العبارة؛ لأن في لغة العرب هو اسم للطويل العريض العميق، ولذلك يقولون فيما زاد طوله وعرضه وعمقه أجسم، ولإن جاز أن يسمى القديم جسما، ونقول: أعني قائم بنفسه، لجاز لغيرك أن يسميه إنسانا وشخصا وهذا فاسد.
فإن قال: أقول إنه جسم لا كالأجسام.
قلنا: أنت مناقض؛ لأنك إذا قلت جسم أثبته مثلا للأجسام، فإذا قلت لا كالأجسام نفيت ما أثبت، وقولنا شيء يقع على المختلف وعلى المتوافق والمتضاد، فإذا قلنا لا كالأشياء لم نكن مناقضين.
فأما الفصل الثاني فيقال لكم: أليس حلول المعاني تتبع التحيز بدليل الشاهد، فلو كان تعالى محلا للحوادث لكان متحيزا ولكان جوهرا ولكان جسما.
ويقال لهم: لو جاز أن يحله معنى جاز أن تحله جميع المعاني حتى تحل الحركة والسكون وغير ذلك من المعاني.
والكرامية تذهب إلى أن كل شيء يحدث في العالم لا بد أن يحدث أولا في ذاته تعالى، ثم تظهر في العالم، ويسمون ما في ذاته حادثا، وما في العالم محدثا، ويفصلون بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق بهذا.
قال: أليس القادر منا لا يصح أن يفعل الفعل إلا بأن يبتدي في نفسه؟.
قلنا: لأنه قادر بقدرة، فلا بد من استعمال محل القدرة، وهو تعالى قادر لذاته، وبعد أليس لا يصح منا الاختراع ويصح منه؟.
ويقال: ولم إذا كان في الشاهد من حيث كان جسما أن يكون في الغائب مثله والصانع ليس بجسم.
Страница 77