مسألة في الرد على الغلاة والمفوضة
نقول: إن خالق الأجسام لا يكون جسما، وهو مخالف للأجسام والأعراض.
وزعمت المفوضة أن الله تعالى خلق خلقا وفوض إليه خلق العالم.
وزعمت القرامطة أنه خلق الأول والأول خلق الثاني والثاني خلق العالم.
وقالت الغلاة: إن الأئمة يقدرون على فعل الأجسام، ومنهم من قال إنه تعالى احتجب بالأئمة وحل فيهم.
فيقال لهم: هذا الجسم قادر أو غير قادر؟.
فإن قالوا: قادر.
قلنا: قادر لذاته أو لمعنى هو القدرة؟.
فإن قالوا: غير قادر.
قلنا: العقول تشهد بأن الفعل لا يصح ويستحيل ممن ليس بقادر.
وإن قال: قادر لذاته.
قلنا: فوجب أن تكون جميع الأجسام قادرة لذاتها، وإن قال: بقدرة، قلنا: فالقادر بالقدرة لا يقدر على فعل الجسم بدليل الشاهد، فإن سلم تم. وإن لم يسلم أريناه تعذر ذلك على سائر الأجسام من غير مانع.
فإن قال: قدرته مخالف لقدرتنا.
قلنا: القدر وإن اختلفت فمقدوراتها متفقة في أن ما تعلق به قدرة يتعلق مثله بسائر القدر.
فإن قال: نحن نقدر على فعل الجسم إلا أن هاهنا مانعا.
قلنا: المانع يجب أن يكون معقولا، وبعد فكان يجب أن يرتفع المنع بحال وإلا التبس المقدور بغير المقدور، ويلزم عليه أن يقال إن الجمع بين الضدين مقدور، والقديم مقدور إلا أنه يتعذر لمنع.
ويقال لهم: هذا الجسم يفعل الجسم مباشرا في محل قدرته أو متولدا في محل آخر؟.
فإن قال بالأول أدى إلى وجود جزأين في جهة وهذا محال، وإن قال متولدا فلا بد من مماسة محل فيوجب مثل ذلك أيضا.
وبعد فوجب أن يكون له سبب معلوم ولا سبب يشار إليه، وبعد فالذي تعدى به الفعل عن محل القدرة هو الاعتماد، ونحن نقدر عليه ولا نقدر على الجسم دل أن الجسم غير مقدور للقدرة.
Страница 70