336

واختلفوا هل يجوز التعليم من غير قرينة أم لا؟ فمنهم من قال: لا يحل إلا مع المنع من استعماله؛ ولذلك قالا: فلا تكفر. ومنهم من أجازه مطلقا، وإذا حسن منا أن نذكر شبه الملحدة لإزالة الإيهام؛ فلذلك جاز بيان السحر لبيان بطلانه وإزالة الإيهام. وكذلك يحسن منا أن نعلم النكاح الفاسد والصحيح، والبيوع الفاسدة، والأشربة؛ ليتبين المباح من المحظور؛ ولذلك بين الله تعالى لنا القبيح والحسن، وأما تعلمه ليجتنب، ويفرق بينه وبين غيره فيحسن، وتعلمه للعمل به يقبح.

فأما الثاني: فلا شبهة أن العمل بالسحر مذموم، ولذلك ذمهم، وفيه ما هو كفر؛ لأن الكفر لا يتعلق بالتعلم والتعليم، وهما يعلمان ذلك، فلم يبق إلا أن يتعلق الكفر بالعمل بالسحر، واعتقاد صحته.

وأما الثالث: فقد قال أصحابنا: لا حقيقة للسحر، وإنما هو تمويهات، ويبعد أن يكون القول بأن له حقيقة قولا لمحقق، ولأنه يؤدي إلى إبطال المعجزات، وأن يلتبس فعل الله بفعلهم، وقد فصل ذلك الشيخ أبو بكر الرازي وغيره، فقالوا: السحر على وجوه خمسة منها: سحر بابل، وكانوا يعبدون الكواكب، فيزعمون أنها حية فعالة، وطائفة منهم عملوا أوثانا على أسماء الكواكب السبعة، وتقربوا إليها بضروب من القربان، فمن أراد خيرا تقرب إلى المشتري، ومن أراد شرا تقرب إلى زحل، ومن أراد غرقا أو حرقا تقرب إلى المريخ، ونحو ذلك، ويزعمون أن عند ذلك تفعل الكواكب ما شاؤوا من قلب الأعيان، وتغيير الصور، ونحوها، فتجعل الإنسان كلبا، وتقطع مسافة بعيدة في مدة قريبة، فيعتقدون في الكواكب أنها تقدر على قلب الأعيان والصور والنفع والضرر، وهذا فاسد؛ لأنها جماد، ولأنها - محدثة، قد ثبت حدوثها، ولأنها جسم، وكل ذلك يدل على أنها لا تقدر على هذه الأشياء.

Страница 527