وقد شبه القدماء الإنسان وحاله في هذه الأنفس الثلاث بإنسان راكب دابة قويى يقود كلبا أو فهدا للقنص.
فإن كان الإنسان من بينهم هوالذي يروض دابته وكلبه يصرفهما ويطيعانه في سيره وتصيده وسائر تصرفاته فلا شك في رغد العيش المشترك بين الثلاث وحسن أحواله. لأن الإنسان يكون مرفها في مطالبه يجري فرسه حيث يحب وكما يحب ويطلق كلبه أيضا كذلك. فإذا نزل واستراح أراحهما معه وأحسن القيام عليهما في المطعم والمشرب وكفاية الأعداء وغير ذلك من مصالحهما. وإذا كانت البهيمية هي الغالبة ساءت حال الثلاثة وكان الإنسان مضعوفا عندهما فلم تطع فارسها وغلبت. فإن رأت عشبا من بعيد عدت نحوه وتعسفت في عدوها وعدلت عن الطريق النهج فاعترضتها الأودية والوهاد والشوك والشجر فتقحمتها وتورطت فيها ولحق فارسها ما يلحق مثله في هذه الأحوال فيصيبهم جميعا من أنواع المكاره والإشراف على الهلكة ما خفاء فيه.
وكذلك أن قوى الكلب لم يطع صاحبه فإن رأى من بعيد صيدا أو ما يظنه صيدا أخذ نحوه فجذب الفارس وفرسه ولحق الجميع من الضرر والضر أضعاف ما ذكرناه. وفي تصور هذا المثل الذي ضربه القدماء تنبيه على حال هذه النفوس ودلالة على ما وهبه الله ﷿ للإنسان ومكنه منه وعرضه له وما يضيعه بعصيان خالقه تعالى فيه عند إهمال السياسة واتباعه أمر هاتين القوتين وتعيده لهما وهما اللذان ينبغي أن يتبعاه بتأمره عليهما. فمن اسوأ حالا ممن اهمل سياسة الله ﷿ وضيع نعمته عليه ترك هذه القوى فيه هائجة مضطربة تتغلب. وصار الرئيس منها مرؤوسا والملك منها مستعبدا يتقلب معها في المهالك حتى تتمزق ويتمزق معها هو أيضا.
1 / 63