ولأجل هذه الظنون التي وقعت لهم جعلوا النفس المميزة الشريفة كالعبد المهين وكالأجير المستعمل في خدمة النفس الشهوية لتخدمها في المآكل والمشارب والمناكح وترتبها لها وتعدها إعدادا كاملا موافقا. وهذا هو رأي الجمهور من العامة الرعاع وجهال الناس السقاط.
وإلى هذه الخيرات التي جعلوها غاياتهم تشوقوا عند ذكر الجنة والقرب من بارئهم عزوجل. وهي التي يسألونها ربهم ﵎ في دعواتهم وصلواتهم. وإذا خلوا بالعبادات وتركوا الدنيا وزهدوا فيها فإنما ذاك منهم على سبيل المتجر والمرابحة في هذه بعينها. كأنهم تركوا قليلها ليصلوا إلى كثيرها وأعرضوا عن الفانيات منها ليبلغوا إلى الباقيات. إلا انك تجدهم مع هذا الإعتقاد وهذه الأفعال إذا ذكر عندهم الملائكة والخلق الأعلى الأشرف وما نزههم الله عنه من هذه القاذورات علموا بالجملة أنهم أقرب إلى الله تعالى وأعلى رتبة من الناس وأنهم غير محتاجين إلى شيء من حاجات البشرز بل يعلمون أن خالقهم وخالق كل شيء الذي تولى إبداع الكل هو منزه عن هذه الأشياء متعال عنها غير موصوف باللذة والتمتع مع التمكن من إيجادها. وإن الناس يشاركون في هذه اللذات الخنافس والديدان وصغار الحشرات والهمج من الحيوان. وإنما يناسبون الملائكة بالعقل والتمييز ثم يجمعون بين هذا الإعتقاد والإعتقاد الأول. وهذا هوالعجب العجيب. وذلك أنهم يرون عيانا ضروراتهم بالأذى الذي يلحقهم بالجوع والعرى وضروب النقص وحاجاتهم إلى مداواتها بما يدفعها عنهم.
1 / 53