وأما الرأى الثاني فإنه أفسده بمثل هذه الحجة. وذلك أنه قال إن كان كل الناس أشرارا بالطبع فإما أن يكونوا تعلموا الخير من غيرهم أو من أنفسهم ونعيد الكلام الأول بعينه، ولما أفسد هذين المذهبين صحح رأى نفسه من الأمور البينة الظاهرة. وذلك أنه ظاهر جدا أن من الناس من هو خير بالطبع وهم قليلون وليس ينتقل هؤلاء إلى الشر ومنهم من هو شرير بالطبع وهم كثيرون وليس ينتقل هؤلاء إلى الخير. ومنهم من هو متوسط بين هذين وهؤلاء قد ينتقلون بمصاحبة الأخيار ومواعظهم إلى الخير وقد ينتقلون بمقاربة أهل الشر وإغوائهم إلى الشر.
وأما أرسطو طاليس فقد بين في كتاب الأخلاق وفي كتاب المقولات أيضا أن الشرير قد ينتقل بالتأديب إلى الخير. ولكن ليس على الإطلاق لأنه يرى أن تكرير المواعظ والتأديب وأخذ الناس بالساياسات الجيدة الفاضلة لا بد أن يؤثر ضروب التأثير في ضروب الناس فمنهم من يقبل التأديب ويتحرك إلى الفضيلة بسرعة ومنهم من يقبله ويتحرك إلى الفضيلة بابطاء. ونحن نؤلف من ذلك قياسا وهو هذا: كل خلق يمكن تغيره. ولا شيء مما يمكن تغيره هو بالطبع. فإذا لا خلق ولا واحد منه بالطبع. والمقدمتان صحيحتان والقياس منتج في الضرب الثاني من الشكل الأول.
1 / 43