فإذا كانت هذه الطاعة لأحبارهم ورهبانهم تصيرهم متخذين لهم أربابًا، فكيف بغيرها من الانقياد والامتثال والطاعة لكل من خالف أوامر الله ونواهيه، فإن العبد قد اتخذ من انقاد له في غير طاعة ربًا وصيره معبودًا ورضي بغير الله ربًا، فلا يتم له رضى بالله أن يؤثر على أوامره ونواهيه وطاعته أراء غيره، ويعلم أن كل ما آتاه من مولاه وربه، فهو الخير كله وبهذا تحقق عبوديته لربه الذي إن كل من في السماوات والأرض إلا آتيه عبدًا، وليكن في كل أحواله كما قيل:
إن كان سكان الغضى ... رضوا بقتلي فرِضى
والله لا كنت لما ... يهوى المحب مبغضًا
صرت له عبدًا وما ... للعبد أن يعترضا
وبالجملة: فالعبد لا زال خائفًا من مولاه راجيًا له قائمًا بالخدمة ممتثلًا لأمره منتهيًا عن نهيه وزجره راضيًا بقسمته مقرًا بحكمته خائفًا من عذابه راجيًا لرحمته، مفتقرًا إليه في جميع حالاته، منكسرًا ذليلًا في حركاته وسكناته كما قال ابن تيمية:
أنا الفقير إلى رب السماوات ... أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير أن يأتنا من عنده يأتي
ولست أملك شيئًا دونه أبدًا ... ولا شريك أنا في بعض ذراتي