Тафсир аль-Мизан
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Жанры
وقد فسر الأمر في قوله تعالى "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون": يس - 82، بكلمة الإيجاد وقول: كن وقال تعالى: "إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله": الدهر - 29، 30 وقال: "إن هو إلا ذكر للعالمين. لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين": التكوير - 27، 28، 29، دلت الآيات على أن الأمر الذي للإنسان إن يريده وبيده زمام اختياره لا يتحقق موجودا إلا أن يشاء الله ذلك بأن يشاء أن يشاء الإنسان ويريد إرادة الإنسان فإن الآيات الشريفة في مقام أن أفعال الإنسان الإرادية وإن كانت بيد الإنسان بإرادته لكن الإرادة والمشية ليست بيد الإنسان بل هي مستندة إلى مشية الله سبحانه، وليست في مقام بيان أن كل ما يريده الإنسان فقد أراده الله فإنه خطأ فاحش ولازمه أن يتخلف الفعل عن إرادة الله سبحانه عند تخلفه عن إرادة الإنسان، تعالى الله عن ذلك.
مع أنه خلاف ظواهر الآيات الكثيرة الواردة في هذا المورد كقوله تعالى: "ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها": السجدة - 13.
وقوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا": يونس - 99، إلى غير ذلك فإرادتنا ومشيئتنا إذا تحققت فينا فهي مرادة بإرادة الله ومشيته لها وكذا أفعالنا مرادة له تعالى من طريق إرادتنا ومشيتنا بالواسطة.
وهما أعني الإرادة والفعل جميعا متوقفان على أمر الله سبحانه وكلمة كن.
فالأمور جميعا سواء كانت عادية أو خارقة للعادة وسواء كان خارق العادة في جانب الخير والسعادة كالمعجزة والكرامة، أو في جانب الشر كالسحر والكهانة مستندة في تحققها إلى أسباب طبيعية، وهي مع ذلك متوقفة على إرادة الله، لا توجد إلا بأمر الله سبحانه أي بأن يصادف السبب أو يتحد مع أمر الله سبحانه.
وجميع الأشياء وإن كانت من حيث استناد وجودها إلى الأمر الإلهي على حد سواء بحيث إذا تحقق الإذن والأمر تحققت عن أسبابها، وإذا لم يتحقق الإذن والأمر لم تتحقق، أي لم تتم السببية إلا أن قسما منها وهو المعجزة من الأنبياء أو ما سأله عبد ربه بالدعاء لا يخلو عن إرادة موجبة منه تعالى وأمر عزيمة كما يدل عليه قوله: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" الآية: المجادلة - 21.
وقوله تعالى: "أجيب دعوة الداع إذا دعان" الآية: البقرة - 186، وغير ذلك من الآيات المذكورة في الفصل السابق.
6 - القرآن يسند المعجزة إلى سبب غير مغلوب
فقد تبين من الفصول السابقة من البحث أن المعجزة كسائر الأمور الخارقة للعادة لا تفارق الأسباب العادية في الاحتياج إلى سبب طبيعي وأن مع الجميع أسبابا باطنية وأن الفرق بينها أن الأمور العادية ملازمة لأسباب ظاهرية تصاحبها الأسباب الحقيقية الطبيعية غالبا أو مع الأغلب ومع تلك الأسباب الحقيقية إرادة الله وأمره، والأمور الخارقة للعادة من الشرور كالسحر والكهانة مستندة إلى أسباب طبيعية مفارقة للعادة مقارنة للسبب الحقيقي بالإذن والإرادة كاستجابة الدعاء ونحو ذلك من غير تحد يبتني عليه ظهور حق الدعوة وأن المعجزة مستندة إلى سبب طبيعي حقيقي بإذن الله وأمره إذا كان هناك تحد يبتني عليه صحة النبوة والرسالة والدعوة إلى الله تعالى وأن القسمين الآخرين يفارقان سائر الأقسام في أن سببهما لا يصير مغلوبا مقهورا قط بخلاف سائر المسببات.
فإن قلت: فعلى هذا لو فرضنا الإحاطة والبلوغ إلى السبب الطبيعي الذي للمعجزة كانت المعجزة ميسورة ممكنة الإتيان لغير النبي أيضا ولم يبق فرق بين المعجزة وغيرها إلا بحسب النسبة والإضافة فقط فيكون حينئذ أمر ما معجزة بالنسبة إلى قوم غير معجزة بالنسبة إلى آخرين، وهم المطلعون على سببها الطبيعي الحقيقي، وفي عصر دون عصر، وهو عصر العلم، فلو ظفر البحث العلمي على الأسباب الحقيقية الطبيعية القصوى لم يبق مورد للمعجزة ولم تكشف المعجزة عن الحق.
ونتيجة هذا البحث أن المعجزة لا حجية فيها إلا على الجاهل بالسبب فليست حجة في نفسها.
Страница 43