قال جالينوس: إن أبقراط يصف في هذا * الفصل (319) في نوع * واحد (320) قد وصفه في فصل * آخر (321) بالجملة. والقول الذي أجمل فيه هذا المعنى هو قوله لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء بمحمود إذا كان مجاوزا لمقدار الطبيعة. فأما هذا الفصل الذي قد أخذنا في تفسيره فإن أبقراط يحكم فيه بذلك الحكم على معنى واحد وهو الامتلاء. والمتلاء إنما يعني به الغذاء الذي هو أكثر من احتمال طبيعة البدن. والأكثر إنما يقال دائما بالإضافة إلى * الشيء (322) إلا أنه يقال في الأبدان على ضربين أحدهما بقياس * من (323) سعة الأوعية والآخر بقياس القوة التي يكون بها تدبير الأبدان. وإنما قصد أبقراط في هذا الموضع قصد هذا المعنى فقال غذاء خارج * من (324) الطبيعة كثيرا أي أكثر من احتمال الطبيعة كيما لا يظن بمن قد ملأ معدته من الطعام حتى تمددت أن ذلك لا محالة يضره ولا بمن * ينال (325) من الطعام ما لم يملأ تجويف * معدته (326) أن الذي يتناول من ذلك لا محالة يسير وأنه يستمر به على ما ينبغي. فإنه قد يمكن أن يستمرئ الأول ما ملأ به معدته إن كانت طبيعته قوية ولا يستمرئ الثاني ما تناول لضعف قوته * عنه (327) ولا سيما * إذا (328) كان الأول تناول طعاما سريع الانهضام وكان الثاني قد تناول طعاما عسر الانهضام. وكذلك PageVW0P118B * الحال (329) في الغذاء الذي قد نفذ عن المعدة إلى الكبد فإن القوة المولدة للدم على قياس القوة الهاضمة التي في المعدة. وذلك أنها ربما كانت ضعيفة * فلم (330) تغير الكيموس الذي نفذ إلى العروق وإن كان مقداره مقدارا يظن * به (331) أنه مقدار * قصد (332) وربما غيرت وقلبت ما هو أضعاف ذلك بسهولة وسرعة لشدة * قوتها (333) ولتهيؤ ذلك الكيموس للتغير والانقلاب. وكذلك الحال في الغذاء في مرتبته * الثالثة (334) من * التغير (335) والانقلاب وهو الذي نسميه بالحقيقة PageVW6P029A غذاء أعني الغذاء الذي تقبل به أعضاء * البدن (336) الزيادة إنما يقال إنه أكثر أو ليس بأكثر بقياس القوة. وعلى حسب ذلك يكون إما أن ينضج على ما ينبغي ويغذو إذا استولت عليه القوة وقهرته أو يفسد ويولد أمراضا إذا لم تستول عليه القوة التي يكون بها تدبير البدن ولم تقهره. وهذا هو نوع من التفسير يفهم * فيه (337) الأكثر بحسب القوة التي يكون بها تدبير البدن. * ويجوز (338) أيضا نوع آخر من التفسير يفهم به * قوله (339) خارجا عن الطبيعة الغذاء الذي هو * في (340) كيفيته خارج عن الطبيعة، وهذا التفسير أيضا صحيح لأن كل واحد من الأعضاء يغتذي بغذاء موافق له والقائل بأن ذلك الغذاء * شيء (341) طبيعي للعضو مصيب. فإن أتى العضو في وقت من الأوقات كيموس هو لعضو آخر غيره طبيعي وهو له منافر خارج من الطبيعة فإن ذلك رديء على كل حال، إلا أنه وإن كان رديئا * فليس (342) يجب لا محالة أن يحدث مرضا. وذلك أنه قد يمكن أن يكون * الكيموس (343) * يسيرا (344) فلا * يحدث (345) منه مرض ودليل ذلك أنا قد نجد الأدوية التي من شأنها أن تفسد البدن كاليبروح PageVW0P119A والأفيون والفربيون لا تقوى على أن jحدث له مضره إلا أن * تكون (346) بمقدار من الكمية، وبالحرى * أن (347) يقوى على هذا، وكذلك * الكيموسات (348) أيضا في ضعفها وقلتها لا تقدر على أن تفسد العضو وتحدث فيه مرضا وهو * أيضا (349) وهو مع * أنه (350) ليس يفسد العضو * فقد (351) يمكن * ويقدر (352) أن يغذوا أعضاء أخر. وما كان * يسميه (353) غذاء لو لا أنه كذلك. فكما أنه * أن (354) انحدر من الهواء الذي استنشق في المريء شيء * يسير (355) فصار إلى المعدة وانحدر من الرطوبة التي تشرب في قصبة الرئة شيء يسير جدا فصار * إلى (356) الرئة لم يحدث للمعدة من قبل تلك الريح مرض ولا للرئة من قبل * تلك (357) الرطوبة، كذلك الحال في غذاء سائر الأعضاء. وقد فسر أيضا هذا القول قوم آخرون تفسيرا ثالثا فقالوا إنه ينبغي أن يفهم من قوله «خارج من الطبيعة» أي مفرط متفاقم كأنه قال «متى ورد على البدن غذاء كثير * مفرط (358) مجاوز للمقدار المعتدل. فإن ذلك يحدث مرضا، وذلك أن الغذاء إذا كان إنما جاوز الاعتدال قليلا فليس يقوى بعد أن يحدث مرضا، لكنه يدع البدن باقيا في حدود الصحة، وهذا القول حق. وذلك أن الغذاء الذي يحدث مرضا لا ينبغي أن يكون فضله * على (359) الاعتدال الصحيح يسيرا، إلا أنه ليس من عادة القدماء تحديد القول بهذا الطريق لكن من عادتهم أن يقتصروا على ذكر الجنس الضار فقط فقد * يقولون (360) إن الحر والبرد والتخم وفساد الكيموسات والتعب وغير ذلك مما أشبهه يحدث مرضا ويتكلمون على أنا نفهم عنهم * أن (361) مع كل واحد من هذه الأسباب كمية ذات قدر. وعلى هذا الطريق PageVW0P119B يقولون أيضا إن الغذاء الكثير يحدث مرضا * كثيرا (362) PageVW6P029B ولا يحتاجون * إلى (363) أن * يزيدوا (364) في * هذا (365) القول فيقولون إذا كان كثيرا جدا * لأنهم (366) يعلمون أنا نعلم أن * الغذاء (367) * إذا (368) كان أكثر من المقدار المعتدل بمقدار جزء من خمسة * عشر (369) خرءا من مثقال فليس يمكن * بعد (370) أن يحدث مرضا، لكنه إن تضاعف هذا أيضا أمكن في وقت من الأوقات أن يحدث مرضا. وذلك أنه من جنس * أحد (371) الأسباب المحدثة الأمراض. فبهذا الطريق يعلم أن هذا التفسير الثالث وإن كان حقا فإن فيه حشوا زائدا على ما جرت عليه عادة الأولين في * كلامهم (372) وتأويل أيضا أصحاب هذا * التفسير (373) لقول أبقراط «خارج من الطبيعة» تأويلا مستكرها. وأما الزيادة التي زادها في آخر هذا الفصل وهو قوله «ويدل على ذلك بروءه» فإنها لو * كان (374) معها «مما» حتى يكون على هذا * المثال (375) «ومما يدل على ذلك بروءه» لكانت أجود. وذلك أنه ليس البرء فقط يدل على أنه متى ورد على البدن غذاء خارج * من (376) الطبيعة كثيرا فإن ذلك يحدث مرضا لكنه قد يدل على ذلك * أيضا (377) نفس الشيء ويشهد عليه معه البرء. وذلك أن الشهادة من عاقبة الشيء الذي يفعل في جميع الصناعات وما يتأتي الناس له على ما ينبغي * يزيد (378) في تصحيحه. والشهادة في هذا القول الزائدة في تصحيحه هي البرء الذي يكون باستفراغ الشيء المؤذي وقد استعمل هذه الشهادة أبرفليس في الاستدلال الذي يسمى ذا الأزمان الثلاثة. وذلك أنا * إن (379) رأينا * أحدا (380) قد أكل أكثر مما كانت * عادته (381) أن يأكل واستعمل * من (382) الرياضة المقدار الذي كان ينبغي * أن (383) * يستعمل (384) PageVW0P120A أو أقل منه ثم رأيناه * قد (385) عرض له في بدنه ثقل وابتدأت به حمى مع حمرة في لونه وانتفاخ في عروقه، وتوهمنا عليه أن مرضه من امتلاء أي من كثرة الأخلاط * ولم (386) يكن توهمنا ذلك عليه على غير الواجب. فإن استفرغ وانتفع بالاستفراغ صحح ذلك في أول وهلة وأوكد ما * توهمنا (387) عليه من الامتلاء ودعانا إلى التقدم على * بصيرة (388) في غيره * ممن (389) حاله مثل حاله على الاستفراغ * بمثل (390) ما استفرغناه من غير أن ينظر * وصف (391) أصحاب التجارب وهو قولهم حفظ عاقبة الشيء الكائن في الحالات المتساوية على مثال واحد * مرارا (392) كثيرة. ولعل هذا الحرف قد كان أبقراط زاده في هذا الفصل فوقف عليه من لم يفهمه فظن أنه فضل فحذفه، أو يكون أبقراط منذ أول الأمر كتب هذا القول من غير أن يزيد فيه ذلك الحرف فقال «ويدل على ذلك برؤه» مكان أن يقول «ومما يدل على ذلك * برؤه» (393) . وذلك أنه إذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا، أعني متى ورد على البدن غذاء خارج من الطبيعة * كثير (394) PageVW6P030A فحدث مرض ثم استفرغ البدن وانتفع المريض باستفراغه دل ذلك على أنه إنما كان جلب عليه المرض * من (395) كثرة * الغذاء (396) . وينبغي أن يحفظ عن أبقراط * أنه (397) يعني الاستفراغ إذا قاله قولا مطلقا استفراغ جميع الكيموسات بالسواء ويعني بالتنقية والنقاء استفراغ الكيموس الرديء في كيفيته، وأن البرء في هذه المواضع إنما يكون بالاستفراغ لا بالتنقية فيشهد بذلك على صحة ما قيل من أمر كثرة الأخلاط. واستفراغ جميع الأخلاط بالسواء يكون بالفصد * خاصة (398) أصح مما يكون بغيره ويقرب منه الاستفراغ الذي PageVW0P120B يكون بالشرط على * الكحلين (399) كما من عادتنا أن يفعل * والاستفراغ (400) الذي يكون بالدلك والرياضة والحمام وبالعرض أيضا الاستفراغ الذي يكون بترك الطعام. وإنما قلت إن هذا الاستفراغ يكون بالعرض لأن ترك الطعام ليس يستغرغ البدن بنفسه كما يستفرغه كل واحد * من (401) هذه الأشياء التي ذكرنا، لكن الاستفراغ عند ذلك إنما يكون على طريق التحليل الطبيعي فإذا * ما (402) لم يرد البدن غذاء يخلف مكان ما استفرغ منه تبين * أمره (403) وظهر بعد أن كان خفيا. وما قلنا * من (404) هذا كاف في تفسير هذا الفصل. ومن أراد أن يستقصي جميع القول في الامتلاء وهو كثرة الكيموسات فقد كتبنا له في ذلك مقالة بأسرها * عنوانها (405) من الامتلاء وهو كثرة الأخلاط. وأما في هذا الموضع فنكتفي أن * نزيد (406) * بعد (407) الذي وصفنا ما أنا واصفه وهو * أنه (408) يمكن أن تبتدئ كثرة الأخلاط التي هي بقياس القوة من غير أن تكون الأخلاط قد فسدت لكنه لا يمكن أن * تلبث (409) على جودتها، * لأنه (410) يجب ضرورة أن تتغير في كيفيتها وتفسد على طول الزمان، إلا أنه * وإن (411) كان الأمر كذلك فإنا لا * نزال (412) نسمي تلك الحال كثرة ولا ننسبها إلى الفساد ما دام يمكن بعد استفراغ الشيء الفاضل * منها (413) أن يصير * الباقي (414) إلى حال جودته. فإنه يعرض في الدم إذا تغير شبيه بما يعرض في الأنبذة التي تحمض. والذي يعرض في الأنبذة * (415) هو أنها متى استكملت الحموضة فصارت خلاء فليست * تعود (416) إلى PageVW0P121A طبيعة الشراب ومتى كان تغيرها تغييرا يسيرا حتى تكون الحموضة قد أخذت فيها ولا تكون * بعد (417) قد صارت خلاء فكثير منها مرارا كثيرة قد عاد إلى طبيعته. وكذلك الحال في الدم. فإن الدم أيضا إذا حدث فيه فساد عظيم لا يعود إلى طبيعته وإذا حدث فيه فساد يسير فاستخرجنا منه الشيء الفاضل عاد الباقي إلى طبيعته، ومن عادتنا أن * نسمي (418) حاله * تلك (419) حال * كثرة (420) لا حال فساد ولكن * ليس (421) تنسب حاله إلى الفساد إلا إذا كان قد بلغ PageVW6P030B من مقدار فساده وخروجه عن طبيعته أن لا يمكن فيه أن تنضجه الطبيعة فتعود فيصير دما محمودا.
18
[aphorism]
Страница 484