قوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ نهيٌ مؤكد بنون التوكيد، يعني: ينهاه الله ﷿ نهيًا مؤكدًا، فأنت يا محمد لست جاهلًا حتى يكبر عليك إعراضهم، وحتى تحزن لعدم إيمانهم؛ لأن ذلك من حكمة الله ﷿، والجهل نوعان: جهل سفاهة، وجهل انتفاء علم، والمراد هنا هو النوع الثاني، ومثال الجهل الذي هو السفاهة قول الله ﷿: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧]، أي: بسفاهة وليس المراد بالجهالة انتفاء العلم؛ لأن انتفاء العلم يرتفع به الحرج والإثم، إذًا قوله: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، أي: من ذوي الجهل الذين لا يعرفون سنن الله ﷿ في خلقه.
فإن قال قائل: هل يلزم من هذا النهي أن يكون النبي ﷺ فعل فعل الجاهلين؟
الجواب: لا، كما في قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧]، وقال ﷿: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤)﴾ [يونس: ٩٤]، فلا يلزم من هذا الشرط أن يقع المشروط.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائدة الأولى: أن النبي ﷺ قد عظم عليه إعراض المدعوين إلى الإسلام، وهل هذا انتصار لنفسه، أم رغبة في هداية عباد الله؟ الثاني بلا شك، وهذا من تمام نصحه ﷺ للأمة ﵊.