Тафсир Садра Мутаалихина
تفسير صدر المتألهين
Жанры
[السمع أشرف من البصر]
لعلك كنت ناظرا فيما ذكرنا من قبل في المفاتيح الغيبية، الفرق بين كلام الله وكتابه، وان احدهما - لكونه من عالم الأمر والإبداع - أشرف من الآخر - لكونه من عالم الخلق والتقدير -.
فاعلم أن للنفس الإنسانية المخلوقة على صورة الكمال، وهي على بينة من ربها، كتابا وكلاما وهما يدلان على كلام الله وكتابه، يشهدان عليهما، الكلام على الكلام والكتاب على الكتاب، وكل منهما غير صاحبه بوجه، وعينه بوجه آخر، كما مر بيانه.
فكلام الحق يدرك بالسمع الباطني، وكتابه يدرك بالبصر الباطني.
وأما كلام النفس وكتابها، فهما يدركان بهذا السمع وهذا البصر الحسيين الظاهرين.
فإذا تقرر هذا، ظهر وجه كون السمع أقدم من البصر في الشرف والفضيلة، ولهذا قدم ذكره على ذكر البصر في القرآن كما مر.
ومما يزيدك استيضاحا، أن النفس الإنسانية متى استيقظت من نوم الجهالة وسنة الغفلة، وتجاوزت حدود البهيمية، فأول ما أدركته هو العدد، وبه صارت عادة ماسحة، والعدد والمساحة من الخواص الشاملة للنفس الناطقة، لارتفاع الملائكة العقلية عنها، وانحطاط النفوس الحيوانية عن نيلها.
فالنفس الآدمية هي العادة الماسحة، كما تقرر عند القوم؛ فهي في بداية أمرها عرفت مراتب العدد، لتعلم بها مراتب الملكوت الباطنة، ولكل مرتبة منها اسم يخصه، فتولدت من مراتب العدد أساميها، لكن بحكم أن الكلام إنما يتأتى من جهة السمع، فالحروف والأصوات صارت محصلة لتلك الأسامي تحصيل البسيط للمركب، فكما أن الأسامي المركبة دالة على أشخاص وأعداد مركبة، سواء كان في عالم الحس كزيد وعمرو، أو في عالم العقل كالمعقول من الإنسان، والفرس والياقوت والعسل وغيرها، فكذا الحروف المبسوطة، دالة على أعداد بسيطة، كالعقل والنفس والطبيعة والهيولى.
وأسبق الحروف هي حروف المد سيما الألف، فلذلك صارت حرف أول الموجودات البسيطة الذوات، ثم تحصل المركبات من هذه البسائط، كما تتألف الأسامي من الحروف الوحدان، وأسامي المفردات وأرقامها من أرقام المفردات بتركيب مفردات كل من هذه العوالم العقلية العددية، والسمعية اللفظية، والحسية الرقمية.
فالأعداد دلائل على عالم العقل، والحروف بأصواتها دلائل على عالم المثال البرزخي، والأرقام المادية دلائل على عالم الحس والشهادة.
Неизвестная страница