384

{ كلا } وحاشا يس لهذا الجاهل الكذاب ولا ذاك ولا هذا، بل { سنكتب } ونأمر الحفظة أن يكتبوا { ما يقول } هذا المسرف المغرور اغترارا وجاهه { ونمد له } ونزيد عليه يوم الجزاء { من العذاب مدا } [مريم: 79] أي: عذابا فوق العذاب أضعافا وآلافا بكفره وإصراره واغتراره على كفره وعتوه على أهل الإيمان واستهزائه إياهم.

{ و } بعدما نهلكه ونميته { نرثه ما يقول } أي: نرث ما يقول ويفتخر به من الأموال والأولاد وغيرها، ونخلعها عه ونجرده؛ بحيث لا يبقى معه شيء منه { ويأتينا } يوم العرض والجزاء { فردا } [مريم: 80] صفرا خاليا بلا أهلس ولا مال ولا إيمان ولا عمل.

{ و } من غاية جهلهم بالله ونهاية غفلتهم من حق قدره وقدر توحيده واستقلاله واستيلائه { اتخذوا من دون الله آلهة } من تلقاء أنفسهم وعلى مقتضى أهويتهم الفاسدة { ليكونوا } أي: آلهتهم { لهم عزا } [مريم: 81] أي: بسبب عزهم وتوقيرهم عند الله يشفعون لهم ويخفون عذابهم.

{ كلا } ردع لهم عما اعتقدوا من الفوائد العائدة لهم من عبادة الأوثان والأصنام من الوصلة والشفاعة والتسبب للنجاة، بل { سيكفرون } وينكرون أولئك المعبودون يومئذ { بعبادتهم } أي: بعبادة الكفرة إياهم { و } كيف يشفعون لهم حينئذ، بل { يكونون عليهم ضدا } [مريم: 82] يضادون عليهم، ويعادون بل يريدون مقتهم وازياد عذابهم.

ثم لما تعجب صلى الله عليه وسلم من قسوة قلوب الكفرة، وشدة عمههم وسكرتهم في الغفلة، وعدم تفطنهم وتنبههم بحقية آيات التوحيد مع وضوحها وسطوعها، مع أنهم من زمرة العقلاء المجبولين على فطرة المعرفة والإيقان، سيما بعد ظهور الحق وعلو شأنه، وارتفاع قدره برسالته صلى الله عليه سلم، ونزول القرآن له، واختتام أمر البعثة والتشريع به صلى الله عليه وسلم، وهم بعد منكرون.

أشار سبحانه إلى سبب غيهم وضلالهم وتماديهم فيها على وجه يزيح تعجبه صلى الله عليه وسلم فقال مخاطبا له: { ألم تر } يا أكمل الرسل ولم تتفطن { أنآ } بمقتضى اسمنا المذل { أرسلنا الشياطين } المضلين { على الكافرين } الذين أردنا إضلالهم وإذلالهم في سابق علمنا ولوح قضائنا وسلطانهم عليهم؛ بحيث { تؤزهم } أي: تهزهم وتحركهم وتغريهم بتسويلاتهم نحو المعاصي والآثام، وتوقعهم بأنواع الفتن والإجراء، وتحبب عليهم الشهوات واللذات النفسانية المستلزمة المستجبلة لأنواع العقوبات، المبعدة عن المثوبات والفوز بالمرادات { أزا } [مريم: 83] هزا دائما؛ بحث صارت قلوبهم المعدة بالفطرة الأصلية للمعرفة والتوحيد مطبوعة مختومة بغشاوة عظيمة وغطاء كثيف، لا يرجى انجلاؤها أصلا.

لذلك لم يتفطنوا بظهور الحق ولوائح آياته ولوامع علاماته، مع كمال وضوحها وانجلائها وتشعشعها.

{ فلا تعجل عليهم } يا أكمل الرسل بعدما علمت حالهم بإهلاكنا إياهم وانتقامنا عنهم، ولا تيأس من إمهالنا وتأخيرنا إهلاكهم أن نهمل عن أخذهم وانتقامهم، بل { إنما نعد لهم } بإمهالنا إياهم أياهم آجالهم وأوقاتها { عدا } [مريم: 84] متى وصل وقتها أخذناهم واستأصلناهم، بحيث أمنت أنت ومن معك من المؤمنين من شرورهم وفسادهم.

اذكر يا أكمل الرسل { يوم } الحسرة للكافرين؛ إذ { نحشر } ونجع فيه { المتقين } أي: المؤمنين الذين يحفظون نفوسهم عن المنهيات والمحظورات الواردة في الكتب الإلهية المنزلة على الرسل المبينين لها { إلى الرحمن وفدا } [مريم:85] وافدين فرقة بعد فرقة؛ ليجازوا بالرحمة والمغفرة، ويستغرقوا بها جزاء إيمانهم وتقواهم، ويتفضلوا بالضوان تفضلا عليهم وزيادة كرامة لهم.

{ ونسوق المجرمين } يومئذ سوق البهائم المجرمة الجانية إلى السجن والحبس بالقهر والغضب التام { إلى جهنم } التي هي أسوأ الأماكن وأظلمها وأعمقها { وردا } [مريم: 86] ورود البهائم إلى المجلس والأغوار بزجر تام من الضرب المؤلم والتصويب وغيرهما.

Неизвестная страница