{ و } بعدما نبههم الحق على ما هو الحق، وأوجدهم على فطرة الفطنة و الذكاء بمبدئهم ونشأتهم الأصلية { لئن قلت } يا أكمل الرسل تذكيرا له وإصلاحا لحالهم: { إنكم مبعوثون من بعد الموت } للحساب والجزاء وتنفيذ الأعمال، فعليكم أن تتهيأوا لها وتدخروا لأجلها حتى لا تؤاخذوا و لاتعاقبوا { ليقولن الذين كفروا } منهم من كمال غفلتهم وقسوتهم بعدما سمعوا منك قولك هذا: { إن هذآ } أي: ما الذي تقول به هذا الرجل إن وقع وتحقق { إلا سحر مبين } [هود: 7] عظيم؛ إذ إحياء الموتى من العظام الرفات لا يتصور إلا بالسحر الخارق للعادات، فإن وقع فهو في غاية العظمة ونهاية الغرابة.
{ و } بعدما استوجبوا لأسوأ العذاب واستحقوا الأليم العقاب بكفرهم وإنكارهم { لئن أخرنا عنهم العذاب } المعد لهم؛ أي: إتيانه { إلى أمة } أي: جماعة من الأيام والأوقات { معدودة } قلائل { ليقولن } مستهزئين مستسخرين من غاية جهلهم وإنكارهم: { ما يحبسه } أي: يمنعه عن إتيان ما يدعيه من العذاب ووقوع ما يعد به من الأخذ والبطش { ألا } تنبهوا أيها المؤمنون وتذكروا { يوم يأتيهم } العذاب، واعلموا يقينا أن العذاب { ليس مصروفا عنهم } حينئذ، ساقطا عن ذمتهم، بل نزل عليهم { وحاق } وأحاط { بهم } حتما { ما كانوا به يستهزءون } [هود: 8] من العذاب الموعود وقت إنذار الرسول.
{ و } من غاية لطفنا وجودنا إلى الإنسان، ونهاية إحساننا معه وتفقدنا لحاله { لئن أذقنا الإنسان } المجبول على النسيان والكفران وأعطيناه { منا رحمة } ونعمة تسره وتفرج همه { ثم نزعناها منه } ومنعناها عنه؛ إظهارا لقدرتنا وكمال بسطتنا { إنه } من قلة تصبره وغاية ضعفه وتكسره { ليئوس } قنوط من فضلنا ورحمتنا { كفور } [هود: 9] لما وصل إلي من نعمتنا.
{ ولئن أذقناه } وأنعمنا عليه { نعمآء بعد ضرآء مسته } أي: أعجزته وأزعجته { ليقولن } متفخرا مباهيا بطرا { ذهب السيئات } المؤلمة المحزنة { عني إنه } من غاية غفلته عن المنعم { لفرح } بطر فرحان { فخور } [هود: 10] مغرور مفتخر بما في يده من النعم، مشغل بها عن شكرها وأداء حقها.
{ إلا الذين صبروا } على ما أصابهم من السيئات المملة المؤلمة، واسترجعوا إلى الله لكشفها { وعملوا الصالحات } وواظبوا على الخيرات والحسنات وداوموا على الإيثار والصدقات؛ شكرا لما أنعمنا عليها { أولئك } السعداء الصابرون عن البلاء، الشاكرون على النعماء عليهم { لهم مغفرة } أي: ستر ومحو لذنوبهم التي مضت عليهم { وأجر كبير } [هود: 11] هو الرضاء منهم تفضلا عليهم وامتنانا.
[11.12-16]
{ فلعلك } يا أكمل الرسل من غاية ودادك إيمانهم ومحبتك متابعتهم { تارك بعض ما يوحى إليك } من عندنا، مشتملا على توبيخهم وتقريعهم وزجرهم وتشنيعهم، كراهة أن يركنوا عنك ونصرفوا عن متابعتك { وضآئق } أي: بسبب وما يوحى إليك { به صدرك } مخافة { أن يقولوا } حين أظهرت عليهم بما أوحيت به: { لولا } أي: هلا { أنزل عليه كنز } بدل هذه التوبيخات والتقريعات من عند ربه ليتابع الناس له { أو جآء معه ملك } مصدق لنوبته ورسالته ليطيعوا ويؤمنوا له طوعا بلا كلفة، لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبقولهم { إنمآ أنت نذير } بلغ ما أنزل إليك من إنذارهم وتخويفهم، ولا تلتفت إلى ردهم وقبولهم، وتوكل على دينك وثق به، فإنه يكفي عنك مؤمنة شرورهم وضررهم { والله على كل شيء } صدر عنهم { وكيل } [هود: 12] عليهم يعلم منهم ما هو مستوجب العقوبة والعذاب، وما هو قوي للنوال والثواب، يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته، أو لم يكف بتصديقك القرآن المعجز لأرباب اللسن والبيا في تشددهم في المعارضة والمقاتلة.
{ أم يقولون } مكابرة وعنادا: { افتراه } واختلقه من تلقاء نفسه ونسبه إلى الوحي { قل } لهم يا أ:مل الرسل حين نسبوك إلى الافتراء والاختلاق: { فأتوا } أيها المكابرون المعاندون { بعشر سور مثله } أي: مثل أقصر سورة من سور القرآن { مفتريت } مختلفات على ما زعمتم مع أنكم أحق باختلافها؛ لكثرة تمرنكم وتزاولكم في أمر الإنشاد والإنشاء، وتتبع كلام البغاء والتعود بممارسة القصص والقصائد، وإن عجزتم عن اختلاقها بأنفسكم، فاستظهروا بإخوانكم ومعاونيكم { وادعوا من استطعتم من دون الله } واتفقوا معهم في اختلافها { إن كنتم صادقين } [هود: 13] في ظنكم هذا.
{ فإلم يستجيبوا لكم } أيها المؤمنون ولم يأتوا بماتحديتم لهم { فاعلموا } أيها المؤمنون واطمأنوا وتيقنوا { أنمآ أنزل بعلم الله } وبكمال قدرته وإرادته، لا يمكن لأحد من مظاهره ومصنوعاته أن يأتي بمثله ويعارض معه، وكيف لا يعراض معه؛ إذ لا شيء سواه { وأن لا إله } في الوجود { إلا هو فهل أنتم مسلمون } [هود: 14] مناقدون لحكمه مسلمون أموركم كلها إليه، مخلصون مطمئنون، متمكنون في جادة التوحيد، بل أنتم أيها الموحدون المحمديون هكذا.
ثم قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير: { من كان } بارتكاب الأعمال واحتمال شدائدها ومتاعبها { يريد الحياة الدنيا وزينتها } المزخرفة التي تترتب عليها من الأموال والأود { نوف إليهم أعمالهم فيها } لأجلها { وهم فيها لا يبخسون } [هود: 15] أي: لا ينقص شيء من أجور أعمالهم في النشأة الأولى إن كن غرضهم مقصورا عليها، محصورا بها.
Неизвестная страница