{ و } بعد تسييركم وتنزيلكم من عالم الغيب متنازلين إلى عالم الشهادة لاقتراف الحقائق والمعارف، وترجيعكم منها إليها متصادعين إظهارا لقدرته وبسطته { يؤت كل ذي فضل } أي: لؤت ويعط كلا من ذوي العناية الموفقين على الهداية التي جبلوا لأجلها { فضله } أي: حقه وجزاءه، أي: قبل منهم ما اكتسبوا من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات وأقرهم في النهاية على مقر نزولا منه في الهداية { و } قل لهم يا أكمل الرسل إمحاضا للنصح: { إن تولوا } وتعرضوا وتنصرفوا أيها المجبولون على التكليف عن مقتضى إنذاري وتبشيري { فإني } في غاية إشفاقي لكم وتحنني نحوكم { أخاف عليكم عذاب يوم كبير } [هود: 4] أي: نزول العذاب يوم العرض الأكبر الذي أشرقت فيه شمس الذات إلى حيث اضمحلت الأظلال والعكوس مطلقا، ونودي من وراء سرادقات العز والجلال بلا تزاحكم الأظلال والأغيار:
لمن الملك اليوم
واجبا أيضا من ورائها:
لله الواحد القهار
[غافر: 16].
واعلموا أيها الأظلال المقهورة { إلى الله } الواحد الأحد الصمد، المتجلي في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق { مرجعكم } ورجوعكم رجوع الظل إلى ذي الظل والعكوس إلى ما انعكس منها { وهو } سبحانه في ذاته قاهر فوق عباده { على كل شيء } من صور العذاب والانتقام { قدير } [هود: 4] لا يخرج عن حيطة قدرته شيء، ولا يعزب عن علمه معلوم، مما جرى عليهم من الأحوال.
{ ألا إنهم } أي: المحجوبون الغافلون من غاية جهلهم وغفلتهم عن الله { يثنون } أي: يقطعون وينحرفون { صدورهم } عن الميل إلى الحق والتوجه نحوه طالبين { ليستخفوا منه } أي: يستروا ويخفوا من الله ما تمكن صدورهم من الإعراض عن الحق بأوامره ورسله { ألا } إنهم لم يعلموا ولم يتفطنوا أن الله المطلع بجميع ما جرى في ملكه يعلم منهم ما جرى عليهم وظهر منه { حين يستغشون ثيابهم } أي: يطلبون التدثر والتغطي وقت رقودهم في مضاجعهم، بل { يعلم } منهم { ما يسرون } في ضمائرهم { وما يعلنون } بأفواههم ومشاعرهم، وكيف لا يعلم سبحانه { إنه } بذاته وأوصافه وأسمائه { عليم } بعلمه الحضوري { بذات الصدور } [هود: 5] وبما هو مكنون فيها من السرائر والضمائر.
{ و } كيف يستبعد أمثال هذا من حيطة حضرة علمه؛ إذ { ما من دآبة } تترك { في الأرض } مثلا { إلا على الله } المتكفل لأرزاق مظاهره ومصنوعاته { رزقها } أي: ما تعيش وتتقوم به { و } مع ذلك { يعلم } منشأها ومصدرها في عالم الغيب، ويعلم أيضا { مستقرها } أي: محل قرارها وبقائها في عالم الشهادة، ومدقار ثباتها واستقرارها فيها { و } يعلم أيضا { مستودعها } ومرجعها في عالم الغيب بعد انقضاء النشأة الأولى، وبالجملة: { كل } من الأحوال والأطوار والنشأة الطارئة عليها بحيث لا يشذ شيء منها محفوظ مثبت { في كتاب مبين } [هود: 6] هوحضرة علمه ولوح قضائه، فكيف تنكرون أيها المنكرون إحاطة علمه، وتستخفون منه شيئا من مخايلكم؟!.
[11.7-11]
{ و } أنى يعزب ويغيب عن عمله شيء؟! { هو الذي خلق } أي: أظهر وأبدع { السموت والأرض } أي: العلويات والسفليات اللتين هما بمثابتة الآباء والأمهات والفواعل والقوابل لنشأتكم وظهوركم { في ستة أيام } ليحيط بالجهات كلها { وكان عرشه } أي: مجلاه ومحل بروزه على الماء، وتشعشع تجلياته قبل ظهور هذه المظاهر والمكونات { على المآء } أي: على الحياة الحقيقية الخالية من التغرات والانقالابات المتوهمة من التعينات العدمية والتشخيصات الهيولانية، وإنما أظهرها على هذا التمثال وأوجدهها على هذا المنوال { ليبلوكم } ويختبركم أيها الأظلال والعكوس { أيكم أحسن عملا } وقبولا، وأتم توجها ورجوعا، وأكمل تحققا ووصولا في يوم الجزاء.
Неизвестная страница