أنّك إذا قلتَ: ضربَ زَيدْ عَمْرُو، كلَّم أَخوك أَبوك، لم يُعلم الفاعل من المفعول، وكذلك قولهم، ما أَحسن زيد لو أهملته عن حركةٍ مخصوصةٍ لم يُعلم معناه؛ لأنَّ الصيغةَ تَحتَمِلُ التّعجّبَ والاستفهامَ والنّفيَ، والفارقُ بينهما هو الحركات، فإن قيلَ: الفرقُ يحصلُ بلزومِ الرُّتبةِ، وهو تقديمُ الفاعلِ على المفعولِ، ثمُّ هو باطلٌ فإنّ كثيراٌ من المواضع لا يَلتبس ومع هذا أُلزم الإِعراب كقولك: قامَ زيدُ، ولم يقم عمرُو، وركبَ زيدُ الحمارَ، فإنّ مثلَ هذا لا يَلتَبِسُ وكذلك كَسَرَ موسى العَصا.
فالجوابُ: أمّا لُزوم الرُّتبة فلا يَصِحُّ لثلاثةِ أوجهٍ:
أحدهما: أنّ في ذلك تَضيّقًا على المُتكلّم: وإخلالًا بمقصودِ النَّظمِ والسَّجعِ مع مَسيسِ الحاجَةِ إليه، والإِعراب لا يلزم فيه ذلك فإنّ أمرَ الحركةِ لا يختلفُ بالتّقديمِ والتأخيرِ.
والثاني: أنّ التقديم والتأخير قد لا يصحّ في كثيرٍ من المواضع، ألا ترى أنّك لو قلت: ضربَ غلامُه زيدًا لم يصحُ تقديم الفاعل هنا، لئلاّ يلزم منه الإضمار قبل الذّكر لفظًا وتقديرًا، فتدعو الحاجة إلى تقديم المفعول، وكذلك قولك: ما أحسن زيدًا، و«ما» في الأصلِ فاعلُ، ولا يصحّ تقديمُ الفعلِ عليه، فأمًا ما لا يَلتَبِسُ فإنّه بالنّسبة إلى ما يلتبس قليلٌ جدًّا، فحمل على الأصلِ المعلّل ليطّرد الباب، كما طردوا الحذف في
1 / 157