Природа и сверхъестественное: Материя. Жизнь. Бог
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Жанры
يريد أن الحياة فعل تلقائي وخلق فجائي، فهي تعلو على كل تفسير، وتدفع بنا إلى تصور العالم «تطورا خالقا» على مثالها؛ وأن العقل هو الذي يتصور الآلية، ويتصور الغائية على مثال الآلية، في حين أن التجربة باطنة وظاهرة ترينا الحياة ماضية في «وثبات» لا عداد لها. فرأي برجسون في المعرفة العقلية، على ما فصلناه ونقدناه في كتاب «العقل والوجود» هو الذي يتفق مع رفضه الآلية والغائية جميعا، ومحاولته التسامي عليهما لاتخاذ موقف أعم. والحقيقة أن العمل الغائي في الحياة يختلف كل الاختلاف عن العمل الغائي المركب للآلة بأجزاء جاهزة، فإن هذه الأجزاء موجودة بالفعل وبتركيبها نحصل على كل عرضي، وأجزاء الحي لا توجد قبل تعضونها في كل جوهري، حتى إن اليد المبتورة لا تدعى يدا إلا تجاوزا على حد ملاحظة أرسطو، وقد فصلت عن الكل الذي يحييها وينميها. فالمبدأ الحيوي مبدأ وجود ومبدأ تعضون في آن واحد؛ أما مبدأ التركيب الآلي فهو مبدأ تركيب فقط. فليس تطور الحياة الكلمة الأخيرة في الوجود، ولا هو يمنع من السؤال عن أصله وعلته، بل بالعكس يحتم هذا السؤال من حيث إن لكل تطور علة، وإن الغائية المسندة إلى علة عليا هي تفسير واف له. (4) حجج مادية
للماديين حجج يعارضون بها القول بالنفس كمبدأ حيوي متمايز من المادة الصرف، فينكرون تفوق الحي بالماهية على الجماد، ويذهبون إلى أن كل ما هنالك قاصر على تعقد القوى الفيزيقية والكيميائية. من حججهم تشبيه الحياة بالتبلور، واعتبارهم البلور حلقة وسطى تسد الثغرة بين الجماد والحياة. والواقع أن للبلور كما للحي شكلا نوعيا معينا يبين طبيعته؛ وأنه يكتسب هذا الشكل بالتدريج، ويتعهده بالاغتذاء في ماء التبلور، ويوجد بلورا مثله بانقسام مادته، ويصلحها متى انكسرت أو تلفت في موضع ما. ولكن الواقع أيضا أن ليس في البلور دليل على الحياة: فالشكل هندسي، والبلور الكبير يتكون من بلورات صغيرة من نفس الشكل، والبلور في حالة توازن تام من حيث المادة والقوى، وهذا يعارض الحياة معارضة كلية، وليس في البلور اغتذاء بأغذية غريبة عن المغتذي، ولا تمثيل، بل فقط تجمع أجزاء من طبيعة واحدة، أي: تكوين جسيمات من ماء التبلور، ومن ثمة من طبيعة واحدة، تتبلور على التعاقب، وبقوة أشد في المواضع غير المنتظمة، ولا نمو من باطن ابتداء من خلية واحدة تتنوع إلى أعضاء مختلفة، بل فقط قبول أجزاء من خارج بمحض التجاور، وهذا النمو من خارج ليس حيويا ولكنه فيزيقي بحت. ويلزم عن انتفاء الاغتذاء والنمو انتفاء التوليد بمعنى الكلمة، أي: بإيجاد جرثومة تصدر عنها عين الأفعال في عين المراحل، وتنتهي إلى تكوين حي جديد.
ويتخذون حجة على مادية الحياة انقسام النبات والحيوانات الدنيا أشخاصا قائمة بذاتها من عين النوع، ويقولون: إن هذا الانقسام يعني أن الأحياء المنقسمة هكذا إلى أحياء تامة، ليست بسيطة ولكنها كالمادة قابلة للقسمة، خلافا لما يدعيه القائلون بالنفس من أنها بسيطة غير منقسمة. وفعلا من المعلوم منذ أمد مديد أن كل غصن ينتزع من نبات ويزرع أو يطعم به نبات آخر، فإنه يعطي شخصا من النبات كله، أو يحتفظ بنوعه أو يعطي ثمرا من نوعه، ولا يفيد من النبات المنقول إليه سوى الحياة. وفي الحيوان أيضا نجد بعضا منه، وهو البسيط التركيب، إن قسم أعطى أشخاصا تامة التكوين بعدد الأقسام. ويمكن قسمة البروتوبلاسما، فكل قسم محتو على جزء من النواة يحيا منفردا حياة الشخص كله. والحيوانات العليا تبدو قابلة للقسمة في المرحلة الجنينية التي هي أبسط المراحل. ولكن كلما ارتقى الحيوان كان أشد إباء للقسمة حتى في المرحلة الجنينية. وبعض الأجزاء المنتزعة تستطيع استطالة الحياة: فقلب الضفدع إذا انتزع استمر على النبض، وقطعة من عضل تحيا بعض الوقت، وتنقبض تحت التأثير الكهربائي، هذه الوقائع وأمثالها تفسر ببساطة التركيب وكفايته للحياة وللفعل: ففي النبات والحيوانات الدنيا ليست الوظائف وأعضاؤها مخصصة لفعل بعينه، فكل قسم منها ذي مقدار كاف فهو حاصل على ما يلزم لاستمرار حياة الكل؛ وهذا الحكم يسري على الأعضاء المنتزعة. أما في الحيوانات العليا فكل وظيفة فهي مخصصة بعضو أو جهاز، فلا تتحقق حياة الشخص إلا بتمامه، وما من عضو يستطيع أن يعيد بناء الحي بتمامه وأن يطيل بقاءه، فإذا قسم الحي هلك؛ بل ما من عضو يستطيع استطالة فعله بذاته، وإذا استطيل الفعل فليست حركته حركة حياة نامية، ولكنها حركة آلية راجعة إلى معالجة صناعية. فتلك الوقائع تؤيد رأي القائلين بالنفس ولا تنقضه، وليست القسمة واقعة على النفس مباشرة، ولكنها واقعة على بدن الحي ونسبته إلى الحياة.
ويقولون: بالتمثيل يحدث في داخل الخلايا الحية تحليلات شبيهة بتلك التي تحدث عن الفواعل الجمادية، وتحدث مركبات كيميائية من مواد دهنية توصل الكيميائيون إلى صنع مثلها خاضعة لعين القوانين، فليست الحياة مباينة للجماد. ولكنهم يغفلون عن الفوارق الكبيرة بين الطرفين: فالكيميائيون لم يصنعوا جميع المركبات؛ والتي صنعوها ليست مواد حية، بل الأحرى أن تسمى مواد حيوية، فلم يصنعوا ورقة نبات أو ثمرة أو عضلا أو عضوا، مع أن المادة الحية لا تحتوي إلا على العناصر التي تحتوي عليها المادة البحت. وصنعوا تلك المواد الحيوية بوسائل تختلف كثيرا عن وسائل الحي: ففي الهضم مثلا لا يستخدم الحي الأحماض القوية ولا الحرارة العالية أو الضغط المرتفع، وإنما تتركب المواد الحيوية تركيبا طبيعيا في الحي فقط، ولا توجد طبعا في عالم الجماد. وإذا كانوا قد أفلحوا في تقليد الهضم، فإنهم لم يفلحوا ولن يفلحوا في تقليد التمثيل أو أي فعل حي بمعنى الكلمة. (5) مبدأ الحياة أو النفس
وإذا جئنا إلى تفسير الحي تفسيرا فلسفيا قلنا: إنه كائن واحد مع تعدد وظائفه وأعضائه. ومحال أن تكون المادة البحتة علة هذه الوحدة، فإنها هي ذات أجزاء متخارجة وقابلة للقسمة بالذات، ويستحيل أن تكون المادة البحتة علة الوظائف الحيوية لما بينا من الفوارق الجوهرية بين أفعالها وأفعال الجماد. الأفعال الحيوية أرقى من القوى الفيزيقية والكيميائية مسيطرة عليها. ففي الحي إذن مبدأ مغاير للمادة هو علة حياته. وإذا كان الجسم الطبيعي مركبا من هيولي وصورة، كما أسلفنا، كان ذلك المبدأ صورة الجسم الحي أو نفسه قبل أن يخصص ديكارت لفظ النفس، ويقصره على القوة المفكرة في الإنسان، ويتبعه معظم المحدثين، ولا بد من مزيد تعليل لوجود النفس النامية، ومزيد شرح لطبيعتها فنقول:
من الوجهة النسيجية نجد بين الخلايا اتصالا عجيبا يدل على الوحدة، فإن تكاثر الخلايا لا يتم بمحض انفصالها ومحض تجاورها، بل يتم بحيث يتكون منها بدن واحد، وبحيث يخضع بعضها لبعض، حتى إنه من جزء واحد، كالسن مثلا، يمكن معرفة طبيعة الحي كله ورسم هيكله ووصف معيشته، فتنوع الأعضاء أو تبيانها لا يعطيها استقلالا الواحد عن الآخر، ولكنها تتسق وتتوافق، فتبين الوحدة تمام التبيين. ومما تجب ملاحظته أن العظام والعضلات والأعصاب ليست متشابهة في جميع الأحياء، فإن هناك فرقا جوهريا بين عظم الإنسان وعظم الكلب مثلا. وكثيرا ما أخطأ العلماء في استدلالهم بفعل دواء ما في حيوان أو حيوانات ما على فعل هذا الدواء في الإنسان، ومن باب أولى ليس يمكن القول بأن الحي «مستعمرة خلايا» لكل منها حياتها الخاصة: هذه وحدة عرضية كالتي في الآلات الصناعية، لا تكفي تعليلا للوحدة النامية في الوجود وفي الفعل على ما هو ظاهر في الجسم الحي. فليس الحي آلة مركبة من خلايا أو من أعضاء، وإلا كان كل جزء ينتج جزءا من الحي، بينما هو ينتج الحي بتمامه. وإذا سلمنا جدلا أن التركيب علة الحياة - وهذا محال كما قدمنا - سألنا عن علة التركيب ذاته، إذ ليس للمادة أن تتركب هكذا أجزاء معينة مؤتلفة بعضها مع بعض مطردة الظهور والفعل؛ ثم سألنا عما يحفظ على الجسم الحي كيانه، وهو دائم التغير حتى تزول مادته بأكملها مرات أثناء العمر.
وليس للقوى الفيزيقية والكيميائية في الحي أفعال مستقلة، ولكنها آلات لمبدأ الحياة. وهذا هو السبب في أنها تحدث في الحي معلولات أشرف منها، هي الأفعال الحيوية، مما هو شأن الآلة تحت توجيه المنصرف فيها، النفس ترفعها إلى مرتبة أعلى، وتدبرها بقواها المنمية والمولدة. فالعناصر المركبة للخلايا موجودة فيها على نحو أسمى من وجودها مستقلة. وأظهر ما يبين سيطرة المبدأ الحيوي أو النفس تقدم الوظيفة على العضو، فإن الأحياء المكروسكوبية تهضم وتتنفس وتتناسل وتنقبض وتحس دون أعضاء. ففائدة الأعضاء المعاونة على استكمال الوظائف، لا على توفير الحياة وبناء الحي، فإن الوظائف في أسفل سلم الأحياء منبثة في كل الجسم، ثم تتمكن وتستكمل خلال هذا السلم.
على أنه لا ينبغي تصور النفس النامية روحية، وجوهرا تاما متقوما بذاته، ومدبرا للجسم من خارج. في هذا التصوير لا يكون الجسم حيا، بل يكون آلة صناعية كما قال أفلاطون وديكارت، وقد بينا بطلان هذا القول. وفي هذا التصور خلط بين البساطة والروحية: النفس النامية صورة جوهرية أو قوة بسيطة غير منقسمة بالفعل، وإن كانت منقسمة بالقوة على ما فصلنا، وهكذا تتحد بالجسم اتحادا كليا، وتحفظ عليه كيانه، وتؤلف وإياه موجودا واحدا هو الذي يحيا ويعمل. ليس لها مقدار لا بالذات ولا بالعرض، فهي موجودة كلها في الجسم كله، وموجودة بقواها في كل جزء منه، فهي في العين بقوة الإبصار، وفي الأذن بقوة السمع، وهلم جرا. فهي في الكل أولا وبالذات؛ لأنها صورته الجوهرية، وهي في الأجزاء ثانيا بمختلف القوى. ولو كانت متصلة بالجسم كالمحرك فقط لجاز أن يقال إنها ليست في كل جزء منه، بل في جزء واحد فقط به تحرك سائر الأجزاء؛ ولكنها متصلة بالجسم كالصورة الجوهرية، فيجب أن تكون فيه كله وفي كل جزء منه كما أسلفنا. وجميع أفعالها تتم بأعضاء جسمية وبوساطة كيفيات جسمية، وإذن فليست هي روحية، ونستطيع أن نقول: إنها مادية، لا بمعنى أنها مادة، أو أنها مركبة من هيولي وصورة؛ إذ إنها هي صورة ومبدأ وحدة، بل بمعنى أنها عاجزة عن التقوم بذاتها باستقلال عن الجسم الذي توجد فيه وتحييه.
وليس في الحي سوى نفس واحدة متعددة القوى والوظائف، وإلا انفصمت وحدته. وهذا التمييز بين الماهية وقواها سنصادفه عند الكلام على النفس الحاسة والنفس الناطقة للغرض عينه، وهو صون الوحدة في الحيوان وفي الإنسان فنقول: إن للحيوان نفسا واحدة لها قوى النفس النامية وتزيد عليها الحواس، وإن للإنسان نفسا واحدة لها قوى النفس النامية والنفس الحاسة، وتزيد عليها العقل والإرادة. غير أن بعض الفلاسفة أخذ القوة كأنها ماهية فوضع في الإنسان أكثر من نفس واحدة: مثلما يذكر عن الفيلسوف الصيني «تسي تسشان» من أهل القرن السادس قبل الميلاد أن قال: إن للإنسان نفسين؛ واحدة سفلى تقوم بوظائف الحياة النامية، وتتكون من الجسم، وأخرى عليا تتكون شيئا فشيئا بعد الميلاد بتكاثف الهواء المستنشق، والنفس السفلى تتبع الجسم إلى الغير ثم تتلاشى أما العليا فتخلد. وذهب أفلاطون إلى أن للإنسان ثلاث نفوس: واحدة في الرأس للأفعال العقلية، وثانية في الصدر للأفعال الغضبية، وثالثة في أسفل الحجاب للأفعال الشهوية. وهذان الرأيان يتضمنان تمييزا واضحا بين الحياة النامية وحياة الإدراك، وبين ما يفنى من الإنسان وما يبقى، ولكنهما يقضيان على وحدته.
ويظن الكثيرون من العامة، بل بعض العلماء أيضا، أن للنبات حياة حاسة، مستشهدين بانقباض بعض النبات على الذباب أو غيره من الحشرات التي تحط عليه وتماسه. لكن الحساسية ينم عليها أفعال تلقائية تصدر دون سوابق ثابتة مجاوبة على الإحساسات، وهذه متنوعة مفاجئة، فتتنوع تلك الأفعال تبعا لها، ويستحيل على المشاهد توقع اتجاهها ومداها وتغيراتها ومدتها. وأفعال النبات آلية تتم على وتيرة واحدة ويمكن توقعها؛ فانقباض النبات فعل منعكس آلي لا نتيجة إحساس. ثم ليس للنبات أعضاء حاسة، وليس الإحساس مجرد تأثر الأعصاب، ولكنه الإدراك الموعي الحادث بعد تأثر الأعصاب، وما من إدراك موع إلا بوساطة أعضاء مخصصة بموضوعات. (6) أصل الحياة
Неизвестная страница