Природа и сверхъестественное: Материя. Жизнь. Бог
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Жанры
في هذه الوظائف الثلاث تتبين فاعلية الحي بأجلى بيان: ففي التغذية يقبل مواد غريبة عنه، فتفسد بالتدريج في أعضاء الجهاز الهضمي، فيتمثلها، أي يحيلها إلى ذاته مادة حية بعد أن كانت خلوا من الحياة. فليست التغذية إضافة مادة إلى مادة، ولكنها تمثيل؛ ويختلف التمثيل عن الهضم، ومن ثم يختلف عن التفاعلات الكيميائية. ومهما يكن تنوع المواد الغذائية فإن الحي يحيلها إلى جسمه، ويستخدمها لاستبقاء كيانه، وهذا ما لا يتسنى للجماد بحال.
والنمو يحدث بفعل باطن وفي جميع أجزاء الحي على السواء، اللهم إلا إذا طرأ طارئ على جزء منه، وليس للشذوذ حكم الكلية. أما الجماد فيزداد ازديادا خارجيا بإضافة مادة إلى مادة. فبالنمو تتكثر الخلية الأصلية وتتنوع إلى أنسجة وأعضاء مختلفة، فيتكون الحي على حسب نوعه وبالحجم الملائم له، ويقاوم أعداء الداخل والخارج، ويعوض ما يتحلل منه، ويصلح ما يفسد. ويستحيل تعليل الحد والنسبة بالاغتذاء وحده، أو بالقوى الفيزيقية والكيميائية. بل إن الحياة تبدو قوة حقيقة تحمل في طيها «فكرة موجهة»، أي: خطة مرسومة تعمل على تحقيقها وصيانتها وسط تغير الخلايا المستمر. وليس في عالم الجماد نظام ينتقل بذاته من التجانس أو من تنوع أقل إلى تنوع أكثر. والحياة توازن غير مستقر دائم متقلب: يستنفد الحي مادته باستمرار، ويكتسب غيرها؛ فهو في نمو ونقصان لا ينقطعان، يلائم بين نفسه وبين البيئة والظروف، حتى لقد تنشأ من هنا أصناف من الأحياء في النوع الواحد. وهذه الملاءمة خاصية أخرى للحي، وليس لها ولآثارها نظير في الجماد.
والتوليد شأنه أن يوجد الحي من ذاته حيا آخر من نوعه، يتطور كما تطور هو: وهكذا تتداول الأجيال إذ يصنع الحي من جسمه خلايا قادرة على النمو الحي حتى تصير أشخاصا من ذات النوع. وليس في الجماد شيء من ذلك أيضا. وليس في ظواهر التبلور ما يصح مقارنته بهذه الوظائف. وسنعرض لهذه المسألة بعد حين.
وثمة خاصية أخرى هي أن للحي عمرا، وليس للجماد عمر. يولد الحي وينمو ثم يموت؛ فلوجوده مراحل معينة، وليس يمكن أن يقال: إن الجماد يتطور؛ فإن التطور الحق من باطن. ولنا في الموت الظاهر شاهد قاطع على حقيقة «القوة» التي ينكرها الآليون: فإن الغرقى المختنقين الذين «يردون للحياة» بالتنفس الصناعي، والمصروعين الذين يشرع في دفنهم، والحشرات التي تخلد للخمود التام أثناء الشتاء، لا يظهر منهم أي علامة على الحياة، والحياة باقية مع ذلك. فليس يكفي توقف الوظائف الحيوية للدلالة على الموت الحقيقي، كما يكفي انحلال جسم الحي وتعفنه؛ بحيث لا نعرف الحياة التعريف الدقيق بقولنا: إنها حركة باطنة، بل يجب القول: إنها «القوة على الحركة الباطنة»، ولهذه القوة أن توجد بالفعل أو أن تكمن بالقوة، وللآليين أن يعجبوا لذلك ما يشاءون.
يضاف إلى ما تقدم أن للأحياء خاصية أساسية لا مثيل لها في الجماد؛ وهي المجاوبة بحركة نوعية، أي خاصة بكل نوع على تأثير الفاعلين الخارجيين، مثل الانقباض العضلي والإفراز، ونقل التيار العصبي والفعل المنعكس وتقلص أوراق النبات. والغرض من هذه المجاوبة اتقاء الخطر أو جلب النفع؛ وهي تختلف اختلافا جوهريا عن المجاوبات الميكانيكية. أجل إن في الجماد أيضا مجاوبات على التأثيرات الخارجية؛ بل إن ظاهرة فيزيقية بعينها، كالمجاوبة الكهربائية، توجد في مجاوبات المادة الحية وغير الحية، بيد أن مجاوبات الأحياء ظواهر خاصة كالتي ذكرناها، ولا يلاحظ مثلها في سائر المجاوبات. وفوق المجاوبة المشاهدة في النبات نجد الإحساس في الحيوان والإنسان، فإنه مجاوبة على تأثير خارجي، ولكنه «إدراك» لا يتسنى للنبات. (3) الغائية في الحياة النامية
من هذا الوصف للحياة النامية ووظائفها الكبرى يلزم أن في الحي مبدأ غائيا يوجهه إلى تمام طبيعته دون علم ولا إرادة. والعلم هاهنا لا يجدي، فإن تحليل الظواهر الفيزيقية والكيميائية التي تجري في البيضة لا يسمح لنا بتوقع النتيجة التي نراها فيما بعد. وحالما يوجد الجنين نراه يعمل للمستقبل كأنه يعلمه؛ وهذا المستقبل غير ظاهر فيه بالمرة. إن الحي يتعهد حياته، فإن عطب جزء من أجزائه أصلحه، وإن بتر جزء شفي جرحه، بل قد يستعيد عضوا بتمامه في بعض الحالات. وعظام الهيكل الإنساني تجبر ما ينكسر منها، والألياف العصبية المجروحة تندمل جروحها، بل قد يستعيدها الحي، ولو في أطراف الجهاز العصبي. وفي جزء من الأخطبوط يظهر رأس أو ذيل. وكذلك تعود الأرجل التي يفقدها السلطعون، وقد لوحظت عودة مخ الحمام وذيل الحردون، وتصنع بعض الأعضاء ترياقا لمادة سامة يصنعها عضو آخر، يصنع الترياق بوفرة تفوق الحاجة الراهنة، ويكون «احتياطيا» للمستقبل، أو مناعة مكتسبة. فليست هي الأعضاء التي تحدث الحياة، ولكنها الحياة التي تحدث الأعضاء لتكوين الحي، وتعيدها لاستبقائه. توجد قوة حيوية متقدمة على الجسم الحي، وهي مبدأ مدبر بالطبع دون تدبير مروي، وخير مثال للصورة في المركب منها ومن الهيولي، فإذا كان الجسم الحي آلة، فإنه آلة تصنع نفسها: هي المهندس وهي البناء، وفنها عجيب.
تلك هي الغائية الباطنة واضحة كل الوضوح في الوظائف الكبرى والصغرى. وليست الغائية الظاهرة - وهي ترتيب الكائن لغاية خارجة عنه - بأقل منها وضوحا، فإن الموجودات - حية كانت أو جمادا - مرتبطة بعضها ببعض أوثق ارتباط، وبذلك يتحقق النظام الكلي: هل يمكن دراسة العين بدون دراسة الضوء، أو دراسة الأذن دون دراسة الصوت؟ والشواهد عديدة لا تحصى، وبحسبنا ذكر تبادل الأكسجين والكربون بين عالم النبات وعالم الحيوان: ينظف النبات الهواء المشبع بالحامض الكربوني الناتج عن تنفس الحيوان ويحلله ويلفظ الأكسجين الضروري لحياة الحيوان، ويستنشق الكربون. هذا مع ملاحظة أن الغائية الظاهرة قد لا تتحقق دائما: ففي الوقت الذي لم تكن ظهرت فيه الحياة الحيوانية، لم تكن الحياة النباتية (إن كانت حينذاك) تبلغ غايتها الظاهرة؛ على حين أن الغائية الباطنة متحققة ضرورة، وإلا لم يوجد الموجود.
وقد اعترض الماديون على الغائية الباطنة بالمسوخ أو الأحياء الناقصة التكوين المشوهة الخلقة. والرد على هذا الاعتراض أن المسوخ ترجع، لا إلى صنع الطبيعة باعتبارها مبدأ غائية وترتيب وتنظيم ، بل إلى فساد المادة التي يخرج منها الحي، ذاتا أو تفريطا أو إفراطا، فتعجز عن مطاوعة الصورة. يدل على ذلك أن المسوخ قلة ضئيلة لا تذكر بالقياس إلى الأحياء المستوية طبقا لطبيعتها؛ وأنها لا تحيا، أو تحيا حياة ناقصة، كأن الطبيعة تنكر الإخلال بقوانينها وتنتقم له، النظام هو الغالب، ولا وجه لتجريحه بشواذ لا حكم لها.
وخطر لبرجسون، وقد تبين بطلان التفسير الآلي للحياة، أن الغائيين ينهجون منهج الآليين؛ إذ يتخيلون الجسم الحي مركبا من أصول معينة جاهزة كما تتركب الآلة من أجزائها، مع أن الحياة فعل ذاتي موجد للأعضاء، فيجب اطراح الغائية أيضا.
2
Неизвестная страница