لفظ " ألف " مُذكر، والدليل عليه قوله تعالى: (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ)، وقد تقرر أن المعدود المذكر يؤنث، والمؤنث يذكر.
ولا يورد قولهم: " هذه ألف درهم "؛ فإن الإشارة إنما هي إلى الدراهم، لا إلى الألف، وتقديره: هذه الدّراهم ألف.
فائدة أخرى
إذا أردت تعريف العدد المُضاف، أدخلت الأداة على الاسم الثاني، فتعرف به، نحو " ثلاثة الرجال "، " ومائة الدراهم " كقولك: " غُلام الرجُل ". قال ذو الرمة:
وهل يَرْجعُ التسليمَ أو يكشِف العَمَى ... ثلاثُ الأثافي والرِّسُومُ البَلاقِعُ
ولا يجوز " الخمسة دراهم "؛ لأن الإضافة للتخصيص، وتخصيص الأول باللام يُغنيه عن ذلك، فأما ما لم يُضف، فأداة التعريف في الأول نحو " الخمسة عشر درهمًا "؛ إذ لا تخصيص بغير اللام، وقد جاء شيء على خلاف ذلك.
تنبيه
الفصيح أن تقول: " عندي ثماني نسوة " و" ثماني عشرة جارية " و" وثماني مائة درهم "؛ أن الياء هُنا ياء المنقوص، وهي ثابتة في حالة الإضافة والنصب، كياء قاضي وأما قول الأعشى:
وَلقد شربتُ ثمانيًا وَثمانيًا ... وَثَمانِ عشرَةَ واثْنتَين وأربَعَا
فبابه ضرورة الشعر، كما قال الآخر:
وطرْتُ بمُنْصُلِى في يَعْمَلاتٍ ... دَوَامِى الأيدِ يَخْبِطْنَ السرِيحَا
يريد " الأيدي " على أنه قد قُرِئ: (وَلَهُ الْجَوارُ المُنْشَآتُ) . بضمِّ الرَاء.
فصل في كيفية كتابة التاريخ
تقول للعشرة وما دونها: خَلَون؛ لأن المميز جمع، والجمع مؤنث.
وقالوا لما فوق العشرة: خَلَت، ومَضت؛ لأنهم يريدون أن مميزه واحد.
وتقول من بعد العشرين: لتسع إن بقين، وثمان إن بقين، تأتي بلفظ الشك؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصًا أو كاملًا.
وقد منع أبو على الفارسي: لمُستَهَل؛ لأن الاستهلال قد مضى، ونص على أن يؤرخ بأول الشهر في اليوم، أو بليلة خَلت منه.
قال: ولهم اختيار آخر، وهو أن تجعل ضمير الجمع كثير الهاء والألف، وضمير الجمع القليل الهاء والنون المشددة، كما نطق القرآن به، قال الله تعالى: (إنَّ عِدَّة الشُّهُورِ عنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا في كِتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ والأرْضَ مِنها أربعةٌ حُرُمٌ ذلك الدّينُ القَيِّمُ فلا تَظْلِمُوا فِيهنَّ أنْفُسَكُمْ) . فجعل ضمير الأشهر الحرم بالهاء والنون لقلتهن، وضمير شهور السنة الهاء والألف لكثرتها.
وكذلك اختاروا أيضًا أن ألحقوا لصفة الجمع الكثير الهاء، فقالوا: أعطيته دراهم كثيرة، وأقمت أيامًا معدودة. وألحقوا لصفة الجمع القليل الألف والتاء فقالوا: أقمت أيامًا معدودات، وكسوته أثوابًا رفيعات.
وعلى هذا جاء في سورة البقرة: (وَقَالوا لَنْ تَمَسَّنا النَّارُ إلا أيامًا مَعْدُودَةً) . وفي سورة آل عمران (إلاَّ أيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) . كأنهم قالوا أولا بِطُول المدّة، ثن إنهم رجعوا عنه فقصروا المدة انتهى.
والواجب أن تقول في أول الشهر: لليلة خلت منه، أو لغرته، أو لمُستهله.
فإذا تحققت آخره، قلت: انسلاخُهُ، أو سَلخُه، أو آخره.
قال ابن عصفور: والأحسن أن تؤرخ بالأقل فيما مضى وما بقى، فإذا أرخت بأيهما شئت.
وقال الصلاح الصفدي، بعد نقله كلام ابن عصفور هذا، قلتُ: بل إن كان في خامس عشر، قلت: منتصف، أو في خامس عشر، وهو أكثر تحقيقًا؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصًا، وإن كان في الرابع عشر، ذكرته، أو السادس عشر ذكرته.
تنبيه
قال الصلاح الصفدي: رأيت الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها لم يذكروا معه شهرًا، وطلبت الخاصة في ذلك فلم أجدها أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء، مثل شهري ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان، ولم أدْرِ العلة في ذلك ما هي؟، ولا وجه المناسبة؟ لأنه كان ينبغي أن يُحذف لفظ شهر من هذه المواضع؛ لأنه يجتمع في ذلك راآن، وهم قد فروا من ذلك وكتبوا: داود، وناوس، وطاوس، بواو واحدة؛ كراهية الجمع بين المثلين. انتهى.
1 / 5