الدين وجرّدْ سلاح العقل تُوَقَّ الأذى كله. واعلم أن الله جعل من الفضيلة مكافأتها: صحة الجسم وطيب الذكر وراحة البال، ووضع في الرذيلة عقابها: ضعف الجسد وسوء القالة وتعب الفكر، ومن وراء ذلك الجنة أو جهنم.
فإن عرضت لك امرأة بزينتها وزخرفتها فراقب الله، وحكّم العقل، واذكر الأسرة والجدود. لا تنظر إلى ظاهرها البرّاق، بل انظر إلى نفسها المظلمة القذرة وماضيها الخبيث المنتن. أتأكل من إناء ولغت فيه كل الكلاب؟
* * *
يا أخي: إن في باريس كل شيء؛ فيها الفسوق كله، ولكن فيها العلم. فإن أنت عكفت على زيارة المكتبات وسماع المحاضرات وجدت من لذة العقل ما ترى معه لذة الجسم صفرًا على الشمال (كما يقول أصحابك الرياضيون)، ووجدت من نفعها ما يعلقك بها حتى لا تفكر في غيرها. فعليك بها، استَقِ من هذا المورد الذي لا تجد مثله كل يوم، راجع وابحث وألِّفْ وانشر، وعِشْ في هذه السماء العالية، ودعْ من شاء يرتع في الأرض ويَعِشْ على الجيف المعطرة!
غير أنك واجد في ثنايا هذه الكتب التي كتبها القوم المستشرقون عن العربية والإسلام وفي غضون هذه المحاضرات التي يلقونها عدوانًا كثيرًا على الحق وتبديلًا للواقع، فانتبه له، واقرأ ما تقرأ وأصغِ لما تسمع وعقلك في رأسك وإيمانك في صدرك. لا تأخذ كل ما يقولون قضيةً مسلَّمةً وحقيقة مقرَّرة،
1 / 55