كانت الأوامر مشددة. النوم له موعد محدد وجرس، لا أحد يغادر السرير بعد النوم. إذا ضبطت اثنتان في سرير واحد فالعقاب شديد. غرفة التأديب في الفناء الخلفي. سمعت عنها قصصا مخيفة. أمام بابها يقف رجل طويل ضخم. رأسه يلمع تحت الشمس بغير شعر. وجهه عريض يغطيه الشعر. عيناه ضيقتان غائرتان. في يده اليمنى عصا طويلة، وفي اليد اليسرى مسبحة صفراء.
في الليل تحوطني أختها بذراعيها. تنشج بصوت مكتوم وتحكي قصة أمها. زارها الله في الحلم وحملت منه مثل مريم العذراء. ارتدت ثوبا واسعا لتخفي ارتفاع البطن. ولدتها في الليل بعد أن نام الناس، لكن عيون الأم رأتها. ربطوها بالحبال ورجموها حجرا حجرا. قلت لها وأنا أعانقها: إذا كان الله هو السبب، فلماذا يقتلونها؟ ولا تعرف نعمة الله الجواب. يغلبني النوم دون أن أعرف السر. في الحلم يتراءى لي الله على شكل رجل. واقف في الظلمة ويده اليمنى خلف ظهره. رأسه يلمع تحت الضوء بغير شعر ووجهه يغطيه الشعر. يرتعد جسمي تحت الغطاء وعيناي مغلقتان. يحرك يده اليمنى خلف ظهره، يرفعها أمامي ويفتح أصابعه. ليس في يده العصا. يهمس بصوت ناعم: بنت الله، تعالي. يقترب مني حتى يلامسني بيده. أتحسس كفه الكبير الحاني. بشرته ناعمة كصدر الأم. أضع رأسي على صدره وأغمض عيني. يده تربت على وجهي، ثم تهبط لتربت على صدري وبطني. رجفة غامضة تهزني وقشعريرة. يهمس بصوت ناعم: لا تخافي، أنا الله وسوف تلدين المسيح.
أصحو من النوم والدنيا ظلام. جسمي مبلل بالعرق وله رائحة الله. الرجفة لا تزال والقشعريرة. يدي تزحف فوق بطني أتحسس الحمل. شيء في أحشائي يتحرك كالجنين. قلبه يدق تحت يدي مع دقات قلبي. الظلمة كثيفة والفجر لم يطلع. ضوء خافت يتسلل من شقوق النافذة. السقف عال رمادي، يتدلى منه سلك النور. فوق السلك ذباب أسود ناعم. رءوس الأطفال سوداء صغيرة تطل من تحت الأغطية. أختي نائمة وشعرها يغطي وجهها. أغمضت عيني لأنام. رائحة الله في أنفي. صوته كالهمس في أذني، يده خلف ظهره، لكني لم أعد أخاف؛ فهو لا يحمل العصا، ويده ناعمة كصدر أمي. ما زال يقترب مني بخطوات بطيئة. وجهه يظهر تحت الضوء. ليس الوجه الذي رأيته. عيناه حمراوان فيهما شرر، وأصابع يده غليظة حديدية تلتف حول عنقي. أحاول الجري وجسمي مربوط في الأرض. أفتح فمي لأنادي على أمي، صوتي لا يطلع، وفي أذني الدوي.
ما هذا الصوت؟ صواريخ العيد؟ زغاريد أم صراخ؟
وجه البابا القديم
سمعت الطلقات بأذني ورأيت الإمام يسقط. وجهه كان معلقا في السماء يعكس شعاع الشمس. دوى الصوت كالرعد وتحول الضوء إلى إشعاع نووي. أصبح وجهه ناحية الأرض بلون التراب. فوق المنصة كان وجهه مضيئا كوجه الله. انقلب عند السقوط وأصبح داكن اللون كوجه الشيطان. لم أكن رأيت الشيطان من قبل وجها لوجه، لكني رأيته في الحلم وحكايات الجدة العجوز. نتجمع حولها في الليل قبل جرس النوم. تحكي لنا عن الشياطين وأرواح الجان. كنت لا أزال في بيت الأطفال، لا أعرف وجه أمي ولا أبي. وجه الله أراه في النوم مزدوج الوجه، ناعما كصدر الأم من ناحية، ومن ناحية الأخرى مخيفا يغطيه الشعر. يتجسد لي دائما على شكل رجل؛ أول رجل رأيته في حياتي. كان الأطفال يسمونه «البابا». يظهر فجأة. لا أراه داخلا أو خارجا من الباب الخارجي. يقف وسط الفناء فاتحا ساقيه كأنما انشقت عنه الأرض أو سقط من السماء. عضلات وجهه لا تتحرك. رأسه بغير شعر يلمع تحت الضوء، وجهه يغطيه الشعر ولحيته طويلة. يرتدي قميصا أبيض مفتوحا عند الصدر. يطل من فتحة العنق شعر كثيف أسود. عظام صدره كبيرة، والثدي عريض مشدود العضلات بغير لحم. فوق كل ثدي نقطة سوداء كالحلمة الضامرة، يشف سوادها من تحت القميص الخفيف. حول خصره حزام عريض من الجلد، يضغط بطنه في عظام الظهر. ردفان ضامران داخل سروال من الجلد. عظام ساقيه بارزة مقوسة تحت الركبة. فخذاه متقلصان كفخذي النمر، يلتقيان أسفل بطنه في ورم صغير بحجم الليمونة.
لم تكن يده اليمنى تخلو من العصا، واليد اليسرى تقبض على ذراع طفل أو طفلة. يجرها خلفه إلى غرفة التأديب. يغلق عليها الباب ثم يعود إلى الفناء. يجلس على الكرسي الخيزران وينادي على الأطفال. نتجمع من حوله فوق الدكك الخشبية، وتبدأ حصة الدين. يقرأ بصوت بطيء غليظ. يد تمسك العصا، واليد الثانية تمسك كتاب الله:
قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد . أغمض عيني وأنام. أرى النفاثات في الحلم على شكل نسور سوداء تحلق في الجو. أصحو على صوته كهدير الطائرة النفاثة، يسأل: ما عقاب السرقة؟ ويهتف الأطفال في نفس واحد: قطع الذراع. وما عقاب الزنا؟ ويرن صوتنا في الفناء: الرجم بالحجارة حتى الموت. ويدب الصمت حتى يسمع كل منا أنفاس الآخر. نعمة الله جالسة إلى جواري، ترمقني بعينين تتسعان لذعر العالم: ما هو الزنا؟ وأغمض عيني كاتمة أنفاسي هاربة في النوم، ثم أصحو على صوته يقرأ مرة أخرى:
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له ... . وتقترب مني نعمة الله حتى يلتصق رأسها برأسي، وتهمس في أذني: ألم يلد الله المسيح؟
صوتها كان خافتا كزفير يخرج من الصدر، لكن عينه الغائرة اتجهت نحونا، وارتفع صوته في الجو: من التي تكلمت؟ ولم أعد أسمع شيئا إلا صوت العصا تلسع الهواء، ورأيت خروف العيد مربوطا من ساقه الأمامية بحبل في الأرض. يشد ساقه محاولا الخلاص ويمأمئ بصوت عال. عيون الأطفال تتجه خلسة ناحية الخروف. آذانهم تتابع الصوت البطيء الغليظ يقرأ القصة. في النوم زار الله الأب وأمره أن يذبح ابنه. أمسك الأب عنق الابن ووضع فوقه السكين.
Неизвестная страница