ونحن إذا أردنا أن نتصدى للقوة ونكبحها فلنبدأ أولا بتوحيد صفوفنا ولنكن صفا واحدا مع الألف والمائتين والخمسين من الملايين المسخرين، لنبدأ بإحياء الوطنية في قلوبنا ولنحقق أول الأمر وحدتنا، ولنعمل من ثم على عون الضعفاء وتمكينهم من الصمود للأقوياء، ولنجتمع لإعلان الحق في وجه القوة، حتى إذا انهزمت هذه القوة واندحرت سطوة الجشع والأنانية فهنالك يحق لنا أن نتحدث عن الوحدة الإنسانية.
إن الوحدة الإنسانية حديث اليوم في أوروبة، ولكنها كانت حديث أهل الصين قبل ألفي سنة، وما استطاع الأوروبيون بعد أن يدركوا عراقة حضارتنا، وأن الملايين الأربعمائة من أهل الصين مخلصون لمبادئ الأخلاق العالمية، وأنهم لقصورهم عن حفظ وطنيتهم قد عز عليهم الإعراب عن أنفسهم، ويوشك أن يحيق بهم البوار والزوال.
على أن الوحدة الإنسانية التي يتحدث بها الأوروبيون اليوم قائمة على قوة لا إنصاف معها، وشعار الإنجليزي الذي يقول إن الحق مع القوة إنما يعني أن الكفاح للغلبة والاستيلاء عدل وإنصاف، أما العقل الصيني فما اعتقد قط أن الغلبة بالحرب حق، وما وصف القهر بالعدوان قط إلا بوصف الهمجية والبربرية، وهذه الخلائق السلمية هي جوهر الآداب العالمية، فعلى أي أساس نبني هذه الآداب؟ نبنيها على أساس الوطنية، فالملايين المائة والخمسون في روسيا أساس العالمية الأوروبية، والملايين الأربعمائة في الصين أساس العالمية الآسيوية، وما من بناء يقوم على غير أساس، فلتكن الوطنية إذن أساسنا الذي نبني عليه، ومن شاء أن يبسط السلام على العالم فليبسطه قبل ذلك على وطنه، وليكن همنا أن نحيي الوطنية في جوانحنا وأن نجلوها ساطعة متألقة، فيومئذ يسوغ لنا أن نحمل علم الوحدة العالمية.
ثم نتساءل: ما الوسيلة التي نلجأ إليها لإحياء وطنيتنا؟ هناك وسيلتان: إحداهما أن ننبه الملايين الأربعمائة إلى حالتهم ، فهم في المأزق الذي يضطرهم إلى الهرب من البؤس وابتغاء السعادة، أو إلى الهرب من الموت وابتغاء الحياة.
لقد جهلت الصين من قبل أنها تنحدر فهلكت، ولو أنها أحست ما ينتظرها لما حق عليها الهلاك.
وإذا تساءلنا عن القوارع التي تهددنا ومن أين تعرض لنا، فالجواب أنها تعرض لنا من الدول العظمى، وأنها هي «أولا» الغصب السياسي و«ثانيا» الغصب الاقتصادي و«ثالثا» الزيادة السريعة في عدد السكان بين الدول العظمى.
هذه القوارع الثلاث من الخارج قد رانت على رءوسنا وجعلت أمتنا على خطر داهم، فالقضاء على الأمة من طريق الغصب السياسي قد يحدث بين عشية وضحاها، ووقوع الصين تحت نير الدول قد يحطمها في أية لحظة فلا طمأنينة لنا من نهار إلى نهار، وقد يأتي الدمار من القوة العسكرية كما يأتي من المناورات السياسية، وربما كان بين الدول اليوم في الصين توازن هو ملاذ العصمة لنا، ولكن الذين يتكلمون على تنافس الدول ويحسبونها متنافسة على الدوام ولا يحسبون حساب اتحادها واتفاقها؛ يخطئون السداد ويصدق عليهم المثل الذي يضرب لمن يتعلق بالفضاء ويراهن عليه، وتلك هي السلامة التي نعلقها على غيرنا ولا نعلقها على أنفسنا، وليس الرجم بالغيب سلامة نطمئن إليها.
والغصب الاقتصادي يسلبنا كل سنة ألفي مليون ريال لا تزال أبدا في ازدياد، وقد كان ميزان التجارة منذ عشر سنوات مائتي مليون ريال، فبلغ اليوم خمسمائة مليون؛ أي بمعدل مائتين وخمسين في المائة كل عشر سنوات، فإذا انقضت عشر سنوات أخرى ألفينا أنفسنا ونحن فاقدون ثلاثة آلاف مليون ريال كل سنة، يخص الرأس منا سبعة ريالات ونصف ريال، وكأنما يؤدي كل فرد منا سبعة ريالات ونصف جزية عن رأسه للأجانب كلما دار الحول، وإذا حسبنا النساء اللائي لا يؤدين هذه الجزية عن أنفسهن في الوقت الحاضر فالجزية خمسة عشر ريالا على كل فرد من الذكور ومنهم الشيوخ والصغار الذين لا يسهمون في الكسب، فلا جرم ترتفع الجزية على الرأس الواحد إلى خمسة وأربعين ريالا في العام.
أليست هذه بالصورة المفزعة لوقائع الأمور؟ وإنها في هذا لتتفاقم ولا تهبط، فلو فرضنا أن السياسة الأجنبية تنام عنا ولا ترهقنا بأعباء مضاعفة علينا فنحن هالكون في مدى عشر سنوات، وكيف الحال بنا بعد ذلك والصين اليوم فقيرة مستنزفة؟ أتراها قادرة على البقاء إذا تفاقم الخطب عليها عما قريب؟
ثم المشكلة الثالثة وهي مشكلة النمو الطبيعي، فإن الصين لم تزد خلال القرن الأخير، ولن تزيد خلال القرن المقبل إن لم تعمل ما يبتعث فيها عوامل النمو.
Неизвестная страница