170

وتفكر حسين مليا، ثم ضحك ضحكة ساخرة وقال: إني غارق في العمل منذ أعوام وأعوام، لست إلا رجل أعمال؟

أين روح حسين شداد الذي كان يأوي منها إلى ظل ظليل من الغبطة الروحية؟ ليست في هذا الرجل الضخم، لعلها استقرت في رياض قلدس، أما هذا الرجل فإنه لا يعرفه، ولا يربطه به إلا ماض مجهول، ماض ود في تلك اللحظة لو كان يحتفظ له بصورة حية لا صورة فوتوغرافية باردة. - وماذا تعمل الآن؟ - ألحقني أحد أصدقاء أبي بوظيفة في الرقابة حيث أعمل ابتداء من منتصف الليل حتى الفجر، وإلى هذا فإني أقوم بالترجمة في بعض الصحف الإفرنجية ... - ومتى تخلو من العمل؟ - فيما ندر، والذي يهون علي المشقة أنني لن أدعو زوجي إلى مصر حتى أهيئ لها حياة تناسبها؛ فهي من أسرة محترمة، وكنت حين تزوجت منها معدودا من الأغنياء!

قال ذلك وضحك ضحكة كأنما يسخر بها من نفسه فابتسم كمال ابتسامة كأنما يشجعه بها، وراح يقول لنفسه: من حسن حظي أني سلوتك من زمن طويل، ولولا ذلك لبكيت عليك من أعماق قلبي! - وأنت يا كمال ماذا تعمل؟

ثم مستدركا: أذكر أنك كنت مغرما بالثقافة؟

ما أجدره بالشكر على هذا التذكر! فهو ميت بالنسبة إليه كما أن الآخر ميت بالنسبة إليه هو، وإننا لنموت ونحيا كل يوم مرات! وأجابه: إني مدرس لغة إنجليزية ... - مدرس! نعم ... نعم. تذكرت الآن أشياء. وكنت ترغب في أن تكون مؤلفا؟ يا للرغبات الخائبة! - إني أنشر مقالاتي في مجلة الفكر، ولعلي أجمع بعضها في كتاب عما قريب!

فابتسم حسين ابتسامة كئيبة وقال: أنت سعيد لأنك حققت أحلام صباك، أما أنا ...!

وضحك مرة أخرى. أما كمال فقد وقعت جملة «أنت سعيد» من أذنيه موقعا غريبا، ولم يكن أغرب منها إلا اللهجة التي قيلت بها الدالة على الحسد، فوجد نفسه مرة واحدة سعيدا ومحسودا. وممن؟ من عميد آل شداد! غير أنه قال على سبيل المجاملة: حياتك العملية أجل حياة!

فقال الآخر باسما: لا اختيار لي، ومرجوي الوحيد أن أستعيد شيئا من مستوى الماضي ...

وساد الصمت مليا. وكان كمال يتفحص حسين باهتمام، وكانت صورة من الماضي تنبعث خلال تفحصه، حتى وجد نفسه يسأله قائلا: وكيف حال الأسرة؟

فقال دون اكتراث: بخير ...

Неизвестная страница