167

كما يعرى من الورق القضيب

فتساءل مهران كالمنزعج: القضيب يا باشا؟!

الباشا وهو يردد ناظريه بين رضوان وحلمي المغرقين في الضحك: صاحبكما جثة لا يؤثر فيها الشعر! ولكنه سيبلغ قريبا فترة الحسرات، حين يصير كل جميل خبرا لكان أو إحدى أخواتها، (ثم متلفتا إلى مهران) وأصحاب زمان يا ابن الهرمة هل نسيتهم؟ - أوه، الله يمسيهم بالخير ... كانوا الجمال كله والدلال كله ... - ماذا تعرف عن شاكر سليمان؟ - كان وكيل الداخلية وفرخة بكشك عند الإنجليز حتى أحيل على المعاش قبل الأوان في وزارة النحاس الثانية أو الثالثة لا أذكر، وأظنه الآن معتكفا في عزبته بكوم حمادة ... - يا عيني على أيامه، وحامد النجدي؟ - هذا أسوأ أحبابنا حظا! خسر الجلد والسقط، وإنه ليطوف الآن ليلا بالمراحيض العمومية ... - كان خفيفا ظريفا ولكنه كان كذلك مقامرا وعربيدا. وعلي رأفت؟ - لقد بلغ «باجتهاده» أن صار عضوا في مجلس إدارة عدة شركات، ولكن سمعته ضيعت عليه الوزارة فيما يقال! - لا تصدق ما يقال، ولي الوزارة أناس جاوزت شهرتهم حدود المملكة، غير أن هذا الرأي الذي طالما نوهت لكم عنه وهو أن التحلي بالفضائل العامة واجب علينا أكثر من بقية الناس! فإذا تحقق لأحدكم هذا فلا تثريب عليه بعد ذلك، لقد حكم المماليك مصر أجيالا، وما زالت ذراريهم تتمتع بالجاه والمال، وما المملوك؟! هو ذلك نفسه! سأقص عليكم قصة عظيمة المغزى.

وصمت الباشا قليلا كأنما ليجمع شتات فكره ثم قال: كنت في ذلك الوقت رئيس محكمة، وحدث أن عرضت على قضية مدنية عن ميراث مختلف عليه، وقبل نظر القضية عرفني بعضهم بشاب جميل له وجه رضوان وقوام حلمي ... (ثم مشيرا إلى مهران) ورشاقة هذا الكلب في عز أيامه! فتصادقنا عهدا وأنا لا أدري عن سره شيئا، حتى إذا كان يوم نظر القضية ما أدري إلا وهو يقف أمامي ممثلا لأحد طرفي النزاع! ماذا تظنون فعلت؟

فتمتم رضوان: يا له من موقف! - تنحيت عن نظر القضية دون تردد!

وأبدى رضوان وحلمي عن إعجابهما أما مهران فقال كالمحتج: وضيعت عليه كفاحه؟!

فقال الباشا دون اكتراث لهذر مهران: ليس هذا فحسب، ولكني قطعته احتقارا لسوء خلقه. أجل، لا قيمة للإنسان بلا خلق، ليس الإنجليز بأذكى الناس، الفرنسيون والإيطاليون أذكى منهم ولكنهم سادة الخلق فهم سادة العالم! لذلك أنبذ الجمال التافه المنحط.

فتساءل علي مهران ضاحكا: هل أفهم من إبقائك علي أني ذو خلق؟

فأشار الباشا نحوه جادا وهو يقول: الأخلاق متنوعة. فالقاضي مطالب بالنزاهة والعدل، والوزير بالواجب والشعور بالمسئولية العامة، والصديق بالصفاء والوفاء، وأنت عربيد بلا شك ووغد في أحايين كثيرة، ولكنك أمين وفي ... - أرجو أن يكون وجهي قد تورد! - الله لا يكلف نفسا إلا وسعها! والحق أني قانع بما فيك من خير، ثم إنك زوج وأب وهذه فضيلة أخرى، وهي سعادة لا يقدرها إلا من عانى صمت البيوت، إلا أن صمت المقام عذاب الشيخوخة!

فقال رضوان كالمنكر: حسبت الشيخوخة محبة للهدوء! - تخيلات الشباب عن الشيخوخة ضلال، تخيلات الشيخوخة عن الشباب حسرات، خبرني يا رضوان عن رأيك في الزواج؟

Неизвестная страница