فقال كمال: إنها غارات رمزية لو أرادوا بنا شرا ما منعتهم قوة.
فضحك رياض قلدس، وقال مخاطبا إسماعيل لطيف، وكانت هذه ثاني مقابلة بينهما في مدى تعارف عام: أنت تخاطب رجلا لا يشعر بمسئولية الزوج!
فسأله إسماعيل متهكما: وهل تشعر بها أنت؟ - حقا أنا أعزب مثله، غير أني لست عدوا للزواج ..
كانوا يسيرون في شارع فؤاد الأول، في مطلع الليل، في ظلام لم تخففه إلا الأضواء الضئيلة التي تتسرب من أبواب المحال العامة، وكان الشارع رغم ذلك مكتظا بالنساء والرجال والجنود البريطانيين على اختلاف أنواعهم. وكان الخريف يبعث أنفاسا رطيبة، ولكن أكثر الناس مضوا في الملابس الصيفية. ونظر رياض قلدس إلى جماعة من الجنود الهنود وقال: من المحزن أن يبتعد الإنسان عن وطنه هذه المسافة المديدة ليقتل في سبيل غيره!
فقال إسماعيل لطيف: ترى كيف يتأتى لهؤلاء التعساء أن يضحكوا!
فقال كمال ممتعضا: كما نضحك نحن في هذه الدنيا الغريبة، الخمر والمخدرات واليأس.
فضحك رياض قلدس قائلا: إنك تعاني أزمة فريدة، كل ما عندك مزعزع الأركان، عبث وقبض الريح، نضال أليم مع أسرار الحياة والنفس، وملل وسقم، أني أرثي لك.
فقال إسماعيل لطيف ببساطة: تزوج، إني مررت بهذا الملل قبيل زواجي ..
فقال رياض قلدس: قل له!
فقال كمال، وكأنما يخاطب نفسه: الزواج هو التسليم الأخير في هذه المعركة الفاشلة .. «أخطأ إسماعيل في المقارنة، إنه حيوان مهذب ، ولكن مهلا لعله الغرور، فيم الغرور وأنت ترقد فوق تل من الخيبة والفشل، إسماعيل لا يدري شيئا عن دنيا الفكر، ولكن السعادة المستمدة من العمل والزوجة والأولاد، أليست سعادة جديرة بأن تسخر من احتقارك لها؟» قال رياض: إذا قررت يوما أن أؤلف رواية، فستكون أحد أبطالها!
Неизвестная страница