على ذَلِك فَإِنَّهُ مهما فعل ذَلِك ترجى صَلَاحهمْ ورجوعهم إِلَى مُرَاده ولعلهم يصيرون فِي رُتْبَة الأصفياء لَهُ وَلَيْسَ شَيْء أدل على صدق الإخاء وَإِظْهَار الْوَفَاء وَلَا أَشد استجلابا للمحبة وَوُجُوب الْحق من تعهد أَحْوَال أصدقاء الأصدقاء فَإِن الْمَرْء إِذا رأى صديقه وَهُوَ يتعهد أَحْوَال أخلانه والمتصلين بِهِ يسْتَدلّ بذلك على صدق محبته لَهُ ويثق بوداده ويقوى أمله ورجاؤه فِيهِ وَأفضل مَا يَسْتَعْمِلهُ الْمَرْء مَعَ أصدقائه هُوَ أَن يتعهد أَحْوَالهم عِنْد الْحَاجة والفاقة ويؤاسيهم بِمَا يُمكنهُ من غير أَن يحوجهم إِلَى المسئلة ويتعاهد أقاربهم وعائلاتهم إِذا مَاتُوا فَإِنَّهُ مَتى شهر بذلك رغب صداقته كل أحد وَبِذَلِك يكثر أصدقاؤه
أَصْنَاف والأعداء وأحوالهم
والأعداء أَيْضا صنفان
أَحدهمَا ذَوُو الأحقاد والضغائن وَيَنْبَغِي للمرء أَن يحترس مِنْهُم كل الاحتراس ويستطلع عَن أَحْوَالهم بِكُل مَا أمكنه وَمهما اطلع مِنْهُم على مكر أَو خديعة أَو تَدْبِير يدبرونه فليقابلهم بِمَا يُنَاقض تدبيرهم وَيكثر الشكاية مِنْهُم إِلَى الرؤساء وإفناء النَّاس ليعرفوا بعداوتهم حَتَّى لَا ينجح فِي أحد قَوْلهم عَلَيْهِ وليصيروا متهمين عِنْد النَّاس فِي أَقْوَالهم وأفعالهم بِمَا ظهر عِنْدهم من معاداتهم إِيَّاه
وكل من آيس الْمَرْء من صَلَاحه وتيقن سوء طبعه وَتمكن الضغينة من قلبه فلينتهز الفرصة فِي إهلاكه وَمهما وجدهَا فلينتهزها وَلَا يتغافل عَمَّا
1 / 21