فصل ٣ مَا يَنْبَغِي للمرء أَن يَسْتَعْمِلهُ مَعَ أكفائه
أما مَا يَنْبَغِي للمرء أَن يَسْتَعْمِلهُ مَعَ الْأَكفاء فسنذكر مِنْهُ جملا ونقول إِن الْأَكفاء لَا يخلون من أَن يَكُونُوا أصدقاء أَو أَعدَاء أَو لَيْسُوا بأصدقاء وَلَا أَعدَاء
أَصْنَاف الأصدقاء وأحوالهم
والأصدقاء صنفان
أَحدهمَا الأصفياء المخلصون فِي الصداقة فَيَنْبَغِي للمرء أَن يديم ملاطفتهم وتعهد أَحْوَالهم وأسبابهم وإهداء مَا يستحسنه وَمَا تيَسّر لَهُ إِلَيْهِم فِي كل وَقت وَيخْفى الْحَال فِيمَا بَينه وَبينهمْ بِغَيْر أَن يظْهر مِنْهُ ملال أَو تَقْصِير
ويجتهد فِي الأكثار مِنْهُم غَايَة الْجهد فَإِن الصّديق زين الْمَرْء وعضده وعونه وناصره ومذيع فضائلة وكاتم هفواته وَمَا حَيّ زلاته وَمهما كَانَ هَؤُلَاءِ أَكثر كَانَت أَحْوَال الْمَرْء فِيمَا بَينهم أحسن وأقوم
والصنف الآخر الأصدقاء فِي الظَّاهِر عَن غير صدق فِيمَا يظهرونه بل بتشبه وتصنع فَيَنْبَغِي للمرء أَن يجاملهم وَيحسن إِلَيْهِم وَلَا يطلعهم عَن شَيْء من أسراره وخصوصا من عيونه وَلَا يلقى إِلَيْهِم من خَواص أَحَادِيثه وأفعاله وأحواله وَلَا يحثهم عَن نعْمَة وَلَا عَن أَسبَاب مَنَافِعه
وليجتهد فِي استمالتهم وَالصَّبْر مَعَهم بِحَسب الظَّاهِر دون أَخذهم بِالْبَاطِلِ وَلَا يَأْخُذهُمْ بالتقصير وَلَا يقطع عتابهم فِيمَا يَقع مِنْهُم من التَّقْصِير وَلَا يجازهم
1 / 20