Сират Мулук Табацина
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Жанры
ألجمت «قمرية» بدورها، دون أن يسعفها ذكاؤها الذي اشتهر عنها، أمام نبل شمائل ذلك الملك العربي الراجح العقل إلا أنها تململت مطرقة مغمغمة: ما أنا سوى رسول أيها الملك. - أعرف.
قالت: ولعل هذا لم يكن قراري منذ البداية.
هبت من فورها مقاومة انفعالاتها متجهة في معاناة إلى حيث الشرفات الفسيحة المشرفة على السهل الذي شيد على قممه المطلة على مدينة «أحمرا» وقصر الملك التبع الحصين. - أبدا لم يكن هذا قراري. - تقصدين اغتيالي؟ - لم أقصد شيئا سوى أن أراك يوما.
قاربها التبع منبهرا من جمالها الطاغي.
لحظتها تدفقت الدموع السخية من عيني قمرية. - أنا لم أبك أبدا من قبل. - أعرف.
اندفعت تتأمله في أقصى حالات انبهارها، كما لو كانت على معرفة سابقة كاملة ودقيقة بمعالم وقسمات وجهه. - أبدا، لم أعرف للنحيب طعما وإحساسا. - أجل، أعرف.
سألته في عفوية طفولية طاغية وهي تقاربه أكثر متأملة إياه من تحت أهدابها المبللة: حقا تعرف! كيف؟ - مثلك لا يبكي أبدا يا قمرية.
ضاحكها: الأذية.
هنا لم تتمالك قمرية السيطرة على مشاعرها فاندفعت تضحك من أعماقها، كما لم تضحك أبدا في حياتها، إلى درجة أسقطت عنها كل أسلحتها، لتعاود براءتها الأولى التي عاشتها يوما في طفولتها «الأعجمية»، وقبل أن تأخذ طريقها - كجارية مملوكية - ذائعة الصيت تتقاذفها القصور والمؤامرات ودسائس الحكم والسياسة، وحياة الترف والثراء وشهوات التسلط على أعناق ومصائر أعتى الملوك والأمراء، إلى أن انتهى بها المطاف في أعلى الذرى لدى ملك الأحباش «سيف أرعد» الذي بعث بها إلى ذو اليزن.
وهكذا لم تصدقها عيناها، وهي تقف يوما في مواجهة ملك هذه البقعة الشاسعة من الأرض ذي اليزن بوجهه السمح الآسر العميق المشاعر. - لعلني ما زلت أحلم سابحة في أغوار هذه اللحظة الدهر، يا مليكي التبع.
Неизвестная страница