هذه هي أنواع الكفاح الثلاثة كما مارستها في 1930، وقد أدت إلى تعطيل مجلاتي جميعها: ما كنت أملكه وما كنت أستأجره، فهل فشلت؟ إن النظرة السطحية توهم الفشل، ولكن النظرة العميقة توضح النجاح كما يجب أن يكون.
ذلك أنه كان في مستطاعي أن أجعل مجلاتي «متفرجة» محايدة، تنشر الخبر والصورة والمقالة والقصة، وتقرأ للتسلية والترويح على المقهى أو في القطار، ينصفها القارئ فلا يجد ما يبعث فيه حزنا أو غضبا أو حافزا على عمل أو جهد أو باعث على اتجاه وتسديد إلى هدف، وعندئذ يكون النجاح العرفي نجاح المال والاقتناء.
ولكن الصحافة رسالة، وهي كفاح، وقد كافحت من أجل الدستور، وكافحت الإنجليز بالعمل الإيجابي الصالح الباقي، وهو الدعوة إلى التجارة والصناعة المصريتين، وكافحت الرجعيين الذين يكرهون العلم، ويحتقرون المرأة، ويسبون الشباب.
واعتقادي أني نجحت في كل ذلك، وإن كانت مجلاتي قد ماتت.
كان نجاحي صحفيا، ولكني فشلت ماليا، بل إني بعت بعض ممتلكاتي كي أتجاوز الأزمة التي أحدثها لي إسماعيل صدقي في 1930.
ولكني عندما أسير الآن، في 1956، في شارع 26 يوليو (فؤاد سابقا) وأرى على صفيه متاجر مصرية كبيرة وصغيرة أحس بالفرح بل الطرب يغمرني، حين أذكر أني كنت أسير في هذا الشارع في 1930 وقبلها فلا أجد متجرا مصريا واحدا؛ لأن التجارة المصرية وقتئذ كانت محدودة محصورة، بل محبوسة، في خان الخليلي، لا نزيد على بعض التحف من النحاس الأصفر وفسيفساء العظم أو الصدف، وكان الإنجليز قد نجحوا في إيهامنا بأن «بلادنا زراعية»، حتى إن مقاعد التلاميذ في المدارس كانت تستورد من إنجلترا، وكان المصنع المصري لا يجد تعريفا في قوانيننا غير أنه «محل مقلق للراحة أو مضر بالصحة أو خطر». •••
وفي بداية هذا العام قدم إلى القاهرة أديب إنجليزي من الطراز الاستعماري القديم هو سومرست موم، وقد حزن عندما رأى متاجرنا في شارع 26 يوليو، وأسف على أننا تركنا خان الخليلي.
وبعض الفضل في أسفه الاستعماري - إن لم أقل كل الفضل - لجمعية المصري للمصري التي أرصدت صحفي في 1930 لخدمتها والدعوة لها.
الفصل الثاني عشر
صحافة المقالة وصحافة الخبر
Неизвестная страница