كانت بلادنا في أيام إسماعيل مركزا عالميا لهجوم رأس المال الأوروبي، ومن هنا مشروعات إسماعيل الكثيرة التي انتفعنا ببعضها كما وقعنا في الإفلاس بعد ذلك بسبب بعضها الآخر، وفي أثر هذه المشروعات، وفي تزاحم الدول والشركات، وفي التنبه العام الذي أنتجه تصادم الطبقة الحاكمة بالأجانب، ظهرت بعض الصحف.
ثم في أيام توفيق زاد التنبه العام للتصادم بين المصريين المحكومين وبين بقايا الأتراك والشركس الحاكمين، فظهرت صحف أيضا تشايع الشعب، ثم جاء الاحتلال فأوعز الإنجليز لبعض الكتاب بإيجاد صحف أخرى تشايع الاحتلال ضد الدولة العثمانية.
ولذلك نرى روسيا القيصرية تؤسس جريدة يومية بالإسكندرية تجعل من دأبها الطعن في الدولة العثمانية والدعاية لروسيا القيصرية، وكانت تنوي القضاء على الدولة العثمانية بالاستيلاء عليها واختراق إلى البحر المتوسط
ثم نرى بعد ذلك، أيام الاحتلال البريطاني، جريدة يومية أخرى ينشئها الانجليز، ويغذونها بأموالهم، للطعن في الدولة العثمانية أيضا والإكبار من نزاهة وعدل الدولة البريطانية.
وبقي الميدان الصحفي في مصر، باستثناء فترة قصيرة ظهرت فيها صحف الدعاية للثورة العرابية، وقفا على هاتين الجريدتين.
ثم رويدا رويدا ظهرت الصحف الوطنية التي تدعو إلى الإحساس المصري والوعي القومي بالدعوة إلى الاستقلال، فكانت المؤيد ثم اللواء ثم الجريدة.
ولما كانت الدعاية هي الهدف، فإن هذه الصحف جميعها، مع الصحيفتين السابقتين، قبل الاحتلال وبعده، كانت صحف المقالة؛ لأن الدعاية ليست أخبارا بقدر ما تكون مقالات.
المقالة الإنشائية في مدح روسيا، ثم فرنسا، ثم بريطانيا، ثم بعد ذلك على أيدي الوطن المصريين: علي يوسف، ومصطفى كامل، ولطفي السيد. المقالة الإنشائية في مكافحة الإنجليز، والدعوة بقلم لطفي السيد إلى الإصلاح الاجتماعي ومكافحة الرجعية.
وأصبحت «المقالة» أساس الفن الصحفي، أما الخبر فقد تقهقر إلى حد الإهمال التام أحيانا، وبقينا على هذه الحال إلى حوالي سنة 1930 حين اتخذ الفن الصحفي ميدانا آخر للمباراة والتفوق بالخبر والصورة، وكان للتقدم المطبعي فضل كبير في ذلك؛ لأن للصورة بأناقة طبعها قوة جاذبية كبيرة، وهي في صميمها خبر.
كان موقعنا الوطني، فيما بين الثورة العرابية إلى حوالي سنة 1930، موقف الكفاح السياسي للاستعمار البريطاني، وأيضا للاستبداد الوطني الذي كان يمثله أمراء وملوك من أسرة محمد علي، والواقع أن كل كاتب مصري على شيء من الذكاء كان على وعي تام بأننا منذ الحركة العرابية إلى 1952 كنا نكافح عباس أو حسين أو فؤاد أو فاروق، كما كان أسلافنا يكافحون توفيق والطغمة المحيطة به من أتراك وشركس.
Неизвестная страница