أمر صحيفتهم، وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم، وبقي فيه ما كان من ذكر الله. فذكر ذلك رسول الله ﷺ لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي؟ قال: "نعم والله". فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط، قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه. قالوا: مرحبًا بكم وأهلًا. قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذابًا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم. قالوا أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله ﷺ، فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة؟ فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.
ذكر طرف من أخباره بالغائبات ﷺ:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" ١ أخرجاه في الصحيحين.
وعنه قال شهدنا مع رسول الله ﷺ خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار". فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالًا شديدًا وقد مات. فقال رسول الله ﷺ إلى النار. وكاد بعض القوم يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي ﷺ بذلك فقال: " الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله". ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: "أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ٢ أخرجاه في الصحيحين.
وعن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرًا فنزل على أمية بن خلف،
_________
١ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس حديث ٣١٢٠. باب ٨. قول النبي ﷺ:"أحلت لكم الغنائم"ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب ظهور الفتن.
٢ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث ٣٠٦٢. باب ١٨٢. إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.
1 / 41