رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر. قال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى ﷺ، يا ليتني فيها جذعًا أكون حيًا حين يخرج قومك. قال رسول الله ﷺ: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله ﷺ فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل ﵇ فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًا. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه ﷺ فيرجع، فإاذ طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل ﵇ فقال مثل ذلك١. أخرجاه في الصحيحين.
وعن جابر بن عبد الله: قال: سمعت النبي ﷺ وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي: سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبًا فجئت فقلت زملوني. فدثروني، فأنزل الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ ٢ أخرجاه في الصحيحين.
ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث.
_________
١ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي حديث ٣. باب ٣. ومسلم في كتاب الإيمان حديث ١٦٠. باب ٧٣.
٢ صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي حديث ٤. وأطرافه في: ٣٢٣٨، ٤٩٢٢، ٤٩٢٣، ٤٩٢٤، ٤٩٢٥، ٤٩٢٦، ٤٩٥٤، ٦٢١٤. ومسلم في كتاب الإيمان حديث ١٦١. باب ٧٣. بدء الوحي.
1 / 34