فصل فى وجوه تقصير الشاعر، وفى تفضيل طراغوذيا على ما يشبهه
إن الشاعر يجرى مجرى المصور: فكل واحد قنهما محاك؛ والمصور ينبغى أن يحاكى الشىء الواحد بأحد أمور ثلاثة: إما بأمور موجودة فى الحقيقة، وإما بأمور يقال إنها موجودة وكانت، وإما بأمور يظن أنها ستوجد وتظهر. فلذلك ينبغى أن تكون المحاكاة من الشاعر بمقالة تشتمل على اللغات والمنقولات من غير التفات إلى مطابقة من الشعر للأقاويل السياسية التعقلية، فإن ذلك من شأن صناعة أخرى.
والشاعر يغلط من وجهين: فتارة بالذات وبالحقيقة، إذا حاكى بما ليس له وجود وإلا إمكانه؛ وتارة بالعرض إذا كان الذى يحاكى به موجودا لكنه قد حرف عن هيئة وجوده، كالمصور إذا صور فرسا فجعل الرجلين — وحقهما أن يكون مؤخرين — إما يمينيين أو مقدمين.
وقد علمت أن كل غلط: إما فى الصناعة وماسب لها ، وإما خارج عنها وغير مناسب لها. وكذلك فى الشعر. وكل صناعة يخصها نوع من الغلط، ويقابله نوع من الحل يلزم صاحب تلك الصناعة؛ وأما الغلط غير المناسب فليس حله على صاحب الصناعة.
فمن غلط الشاعر محاكاته بما ليس بممكن، ومحاكاته على التحريف، وكذبه فى المحاكاة — كمن يحاكى بأيل أنثى ويجعل لها قرنا عظيما. أو بأنه يقصر بمحاكاته للفاضل والرذل فى فاعله أو فعله، وفى زمانه بإضافته وفى غايته.
ومن جهة اللفظ: أن يكون أورد لفظا متفقا لا يفهم ما عنى به من أمرين متقاربين تحتمل العبارة كل واحد منهما.
ومن ذلك أن لا يحسن محاكاة الناطق بأشياء لانطق لها، فيبكت ذلك الشاعر بأن: فعلك ضد الواجب.
Страница 196