وكل محاكاة فاما أن يقصد به التحسين، وإما أن يقصد به التقبيح، فان الشىء إنما يحاكى ليحسن أو يقبح. والشعر اليونانى إنما كان يقصد فيه فى أكثر الأمر محاكاة الأفعال والأحوال لا غير، وأما الذوات فلم يكونوا يشتغلون بمحاكاتها أصلا كاشتغال العرب، فان العرب كانت تقول الشعر لوجهين: أحدهما ليؤثر فى النفس أمرا من الأمور تعد به نحو فعل أو انفعال؛ والثانى للعجب فةط، فكانت تشبه كل شىء لتعجب بحسن التشبيه. وأما اليونانيون فكانوا يقصدون أن يحثوا بالقول على فعل أو يردعوا بالقول عن فعل. وتارةٔ كانوا يفعلون ذلك على سبيل الخطابة، وتارة على سبيل الشعر. فلذلك كانت المحاكاة الشعرية عندهم مقصورة على الأفاعيل والأحوال والذوات من حيث لها تلك الأفاعيل والأحوال. وكل فعل إما قبيح، وإما جميل. ولما اعتادوا محاكاة الأفعال انتقل بعضهم إلى محاكاتها للتشبيه الصرف، لا لتحسين وتقبيح. وكل تشبيه ومحاكاة كان معدا عندهم نحو التقبيح أو لتحسين، وبالحملة المدح أوالذم . وكانوا يفعلون فعل المصورين، فان المصورين يصورون الملك بصورة حسنة، ويصورون الشيطان بصورة قبيحة. وكذلك من حاول من المصورين أن يصور الأحوال كما يصور أصحاب مانى حال الغضب والرحمة: فانهم يصورون الغضب بصورة قبيحة، والرحمة بصورة حسنة. وقد كان من الشعراء اليونانيين من يقصد التشبيه للفعل وإن لم يخيل منه قبحا وحسنا، بل المطابقة فقط.
فظاهر أن فصول التشبيه هذه الثلاثة: التحسين، والتقبيح، والمطابقة، وأن ذلك ليس فى الألحان الساذجة، والأوزان الساذجة، ولا فى الايقاع الساذج بل فى الكلام.
Страница 170