وأما ما ذكروه من أمر النور الذى يتخيل بين يدى العين فالسبب فى غلطهم به أن ذلك عندهم ليس يكون إلا على وجه واحد حتى ظنوا أنه لا يجوز أن تكون العين شيئا له فى جوهره ضوء كالأشياء اللوامع التى ذكرناها فيما سلف، فإذا كانت ظلمة لمع وأضاء ما قدامه بكيفية يؤثرها لا لشىء ينفصل عنه وكأنه لا يجوز أيضا أن يكون الحك والمس قد يحدث شعاعات نارية لطيفة فى الظلمة كما يتفق من مس ظهر السنور وإمرار اليد على المخدة واللحية فى الظلمة، وقد يظهر لك أنه لا يبعد أن تكون الحدقة نفسها مما يلمع ليلا ويضىء ويلقى شعاعها على ما يقابلها فإن عيون كثير من الحيوان بهذه الصفة كعين الأسد والحية فإذا كانت كذلك جاز أن تنير المظلم، ولهذا ما كان كثير من الحيوان ترى فى الظلمة لإنارتها الشىء بنور يفيض من عينها ولقوة عينها، وأما حديث امتلاء الحدقة عند تغميض الأخرى فمن الذى ينكر أن يكون فى العصبة المجوفة جسم لطيف هو مركب القوة الباصرة، وهو الذى يسمى الروح الباصرة وأنه يتحرك تارة مستبطنا هاربا وتارة مستظهرا محدقا، فإذا غمضت إحدى العينين هربت من التعطل ومن الظلمة طبعا فمالت إلى العين الأخرى لأن المنفذ فيهما مشترك على ما يعرفه أصحاب التشريح، وليس إذا امتلأ شىء من شىء يجب من ذلك أن يكون فى طبع المالى بروز وخروج وذهاب فى الأرض ومسافرة إلى أقطار العالم،
Страница 144