ومنهم من جعل الماء سببا للسواد، قال ولذلك إذا ابتلت الأشياء مالت إلى السواد قالوا وذلك لأن الماء يخرج الهواء ولا يشف إشفافه ولا ينفذ فيه الضوء إلى السطوح فتبقى مظلمة، ومنهم من جعل السواد لونا بالحقيقة وأصل الألوان، قال ولذلك لا ينسلخ، وأما البياض فعارض للمشف بتراكمه، ولذلك يمكن أن يصبغ، ولا يبعد أن يكون المذهب الأول فى السواد يؤدى إلى هذا المذهب أيضا إذ جعل السواد حقيقة ما لا يشف من جهة ما لا يشف وهو حقيقة اللون المنعكس عنه، وقال قوم إن الأسطقصات كلها مشفة، وإنها إذا تركبت حدث منها البياض على الصفة المذكورة وبأن يكون ما يلى البصر سطوحا مسطحة من المشف فينفذ فيها البصر، وإن السواد يعرض إذا كان ما يلى البصر من الجسم زوايا تمنع الإشفاف للأطراف التى تقع فيها، فهى وإن أضاءت فبما لا ينفذ فيها الضوء نفوذا جيدا تظلم، والذى يصعب من هذه الجملة فصل القول فيه تولد البياض من الضوء وكون السواد لونا حقيقيا فإنا نعرف أن المشفات تبيض عند السحق والخلط بالهواء، وكذلك اللخالخ والناطف يبيض لاجتماع أحقان الهواء فيه مع الإشفاف الذى فى طبعه، ونعلم أن السواد لا يقبل لونا البتة كما أن البياض يقبل، فكأن البياض لإشفافه موضوع معرى مستعد والمعرى عن الكيفيات قابل لها من غير حاجة إلى إزالة شىء، والمشغول بواحدة لا يقبل غيرها إلا بزوالها، فهؤلاء قوم يجعلون مخرج الألوان من الإشفاف وغير الإشفاف، وبإزاء هؤلاء قوم آخرون لا يقولون بالإشفاف البتة، ويرون أن الأجسام كلها ملونة وأنه لا يجوز أن يوجد جسم إلا وله لون، ولكن الثقب والمنافذ الخالية إذا كثرت فى الأجسام نفذ فيها الشعاع الخارج من المضىء إلى الجهة الأخرى، ونفذ أيضا شعاع البصر فيرى ما وراءها،
Страница 109