والحمل على وجهين: حمل مواطأة، كقولك: زيد إنسان؛ فإن الإنسان محمول على زيد بالحقيقة والمواطأة؛ وحمل اشتقاق، كحال البياض بالقياس إلى الإنسان؛ فإنه يقال: إن الإنسان أبيض أو ذو بياض، ولا يقال: إنه بياض. وإن اتفق أن قيل: جسم أبيض، ولون أبيض، فلا يحمل حمل المحمول على الموضوع؛ وإنما غرضنا ها هنا مما يحمل هو ما كان على سبيل المواطأة. فلنذكر أقسام الكلى الذى إنما ينسب إلى جزئيات مواطأة عليها، ةيعطيها الاسم والحد، لكنه قد تضطرنا إصابتنا لبعض الأغراض أن لا نسلك المعتاد من الطرق في قسمة هذه الألفاظ فى أول الأمر، يل نعود إليه ثانيا. فنقول: إن لكل شىء ماهية هو بها ما هو، وهى حقيقته، بل هى ذاته. وذات كل شىء واحد ربما كان معنى واحدا مطلقا ليس يصير هو ما هو بمعان كثيرة، إذا التأمت يحصل منها ذات للشىء واحدة. وقلما تجد لهذا من الظاهرات مثالا، فيجب أن يسلم وجوده. وربما كان واحدا ليس بمطلق، بل تلتئم حقيقة وجوده من أمور ومعان إذا التأمت حصل منها ماهية الشىء، مثال ذلك الإنسان، فإنه يحتاج أن يكون جوهرا، ويكون له امتداد في أبعاد تفرض فيه طولا وعرضا وعمقا، ةأن يكون مع ذلك ذا نفس، وأن تكون نفسه نفسا يغتذى بها ويحس ويتحرك بالإرادة، ومع ذلك يكون بحيث يصلح أن يتفهم المعقولات، ويتعلم صناعات ويعلمها - إن لم يكن عائق من خارج - لا من جملة الإنسانية؛ فإذا التأم جميع هذا حصل من جملتها ذات واحدة هى ذات الإنسان. ثم تخالطه معان وأسباب أخرى، يتحصل بها واحد واحد من الأشخاص الإنسانية، ويتميز بها شخص، مثل أن يكون هذا قصيرا وذاك طويلا، وهذا أبيض وذاك أسود. ولا يكون شىء من هذه بحيث لو لم يكن موجودا لذات الشخص، وكان بدله غيره، لزم منه أن يفسد لأجله؛ بل هذه أمور تتبع وتلزم. وإ نما تكون حقيقة وجوده بالإنسانية، فتكون ماهية كل شخص هى بإنسانيته، لكن إنيته الشخصية تتحصل من كيفية وكمية وغير ذلك. وقد يكون أيضا له من الأوصاف أوصاف أخرى غير الإنسانية، يشترك فيها مع الإنسانية، بل تكون بالحقيقة أوصافا للإنسان العام مثل كونه ناطقا، أى ذا نفس ناطقة، ومثل كونه ضاحكا بالطبع. لكن كونه ناطقا أمر هو أحد الأمور التى، لما التأمت، اجتمع من جملتها الإنسان، وكونه ضاحكا بالطبع هو أمر، لما التأمت الإنسانية بما التأمت منه، لم يكن بد من عروضه لازما؛ فإن الشىء إذا صار إنسانا بمقارنة النفس الناطقة لمادته، أعرض للتعجب الموجب في مادته هيئة الضحك، كما أعرض لأمور أخرى: من الخجل والبكاء والحسد والاستعداد للكتابة وقبول العلم، ليس واحد منها لما حصل، أعرض الشىء لحصول النفس الناطقة له، فيكون حصول النفس الناطقة إذن سابقا لها، ويتم به حصول الإنسانية؛ وتكون هذه لوازم بعدها، إذا استثبتت الإنسانية لم يكن بد منها.
Страница 9