وأما المعلم فقد أجرى الكلام فى ذلك على شىء مشهور كان فيما بينهم؛ وعد من الكم أقساما مشهورة ولم يتعرض فيها للتحقيق. وقد فعل كذلك فى غير موضع فى هذا الكتاب كما فعل فى تفصيل الحركة، وكما فعل فى مواضع من المضاف. قد زعم قوم أن الثقل من الكمية. قالوا: ولذلك قد يوجد وزن نصف وزن ووزن مساو لوزن؛ وليس كذلك؛ لأن الوزن لايمكن أم يقال متجزئا ومساويا بذاته. بل الوزن مبدأ حركة إلى أسفل؛ فإذا كان من الوزن ما يقاوم وزنا آخر، فلا يقدر الآخر على إشالته فى الميزان راسيا فى نفسه، قيل إنه مساو له؛ أى غير مقاوم إياه فى التحريك؛ فإن قدر قيل إنه أعظم منه؛ فإن كان يقدر على تحريك ذلك الجسم الآخر، ولا يقدر على تحريك جسم من طبيعة الجسم الآخر، هو ضعف ذلك الجسم الآخر، لا ضعف ذلك الجسم الذى يقدر على تحريكه، قيل إن هذا مساو لضعفه والآخر مساو لنصفه. وأيضا يقال للثقيل الذى يحرك فى مثل الزمان ضعف المسافة إنه ضعف.
وبالجملة إنما يمكن أن يقدر الثقل بتقدير الحركة والزمان أو المسافة. وليست المقاومة من مقادير الأجسام؛ إنما الثقل قوة؛ وكذلك الخفة؛ أعنى بالخفة القوة المصعدة إلى فوق. وقد يمكن أن يتخذ للخفة ميزان معكوس فى المياه؛ أعنى بالمعكوس أن تكون المماثلات بين كففها صاعدة. وقد يمكن أن تتخذ موازين للميول القسرية التى تحدث بالدفع والرمى يكون حكمها حكم ميزان الثقل؛ لكنه قد يكون لا فى جهة الثقل، فلا يلزم من ذلك أن تكون الميول القسرية كميات.
المقالة الرابعة من الفن الثاني من الجملة الأولى من كتاب الشفاء
الفصل الأول فصل (أ) فى بيان القسمة الأخرى للكم وبيان الكم بالعرض
وأما القسمة الأخرى للكمية فهى أن من الكمية ماله وضع فى أجزائه، ومنها ما ليس له وضع. والأجزاء التى لها وضع يجب أن يكون لها وجود قار بالفعل معا ليكون لبعضها عند بعض وضع،وأيضا اتصال، وأيضا ترتيب يوقعه ذلك تحت الإشارة أن كل واحد منها أين هو من صاحبه.
والوضع اسم مشترك يقال على معان شتى: فيقال وضع لكل ماإليه إشارة كيف كان؛ والإشارة هى تعيين الجهة التى من جهات العالم؛ وبهذا المعنى يقال للنقطة وضع، وليس للوحدة وضع. ويقال وضع لمعنى أخص من هذا؛ إذ يقال لبعض الكميات وضع؛ ومعناه ما قلناه. ويقال وضع للمعنى الذى تشتمل عليه مقولة من التسع؛ وهو حالة الجسم من جهة نسبة أجزائه بعضها إلى بعض فى جهاته؛ وهذا الوضع لا يقال قولا حقيقيا إلا على الجواهر؛ ولا يقال على الخط والسطح. وقد يقال وضع لمعان أخرى لا تتعلق بالمقادير ولا بالإشارة.
والوضع الذى يقصد فى باب الكمية هو الوضع بالمعنى الأوسط؛ وكأنه اسم منقول من المعنى الثالث؛ فكأنه لما كان وضع الجسم الذى من مقولة الجوهر إنما هو بسبب حال أجزائه بعضها عند بعض، جعل نظير ذلك أو مقارنه، إذا اعتبر فى الجسم الذى من باب الكم وضعا، وإن لم يكن الجسم الذى من باب الكم ولا السطح ولا الخط يجب له بذاته الجهات والمكان. لكن الجسم الذى من باب الكم له أجزاء بالقوة لها اتصال وترصيف؛ وإلى كل واحد منها، إذا فرض موجودا، إشارة أنه أين هو من صاحبه، وكذلك الخط والسطح. وهذا المعنى كالمناسب لذلك المعنى الذى فى الجسم الجوهرى؛ فيسمى باسمه.
وقد قيل: إن الجسم المتحرك لا وضع له؛ فإن عنى القائل لذلك أنه لا وضع له الوضع الذى هو من المقولة، فربما أوهم ذلك صدقا؛ وليس كذلك؛ فإنه فرق بين ألا يكون للشىء وضع وبين أن لا يكون له وضع قار ؛ كما أنه فرق بين أن لا يكون للجسم أين، وبين أن لا يكون له أين قار.
Страница 93