وأما حديث الكمال والفضيلة، فقد قال قوم: إنها إذ كانت موضوعات وأصولا لغيرها، والموضوع والأصل أفضل، فهى أفضل، فهذا كلام جزافى؛ فإنه غير بين فيه أن الأصل والموضوع يجب أن يكون أفضل؛ بل ربما كان ذو الأصل، الذى له الأصل وزيادة فضيلة، أفضل من الأصل وأكمل. ولهذا ما كان كل شىء أفضل من الهيولى. ولكن فضيلة هذه الشخصيات هى أن القصد فى الطبيعة متوجه إلى أن توجد هذه الأشخاص والأفعال والأحوال التى يجب أن تحصل؛ فإن ما يحصل منها ولها. وأما حديث السبق إلى التسمية، فلان أول شىء عرف أنه موجود لا فى موضوع فهى الأشخاص الجزئية؛ وبالحرى أن تكون سابقة للأشياء كلها. إذ كانت موضوعات لكلياتها على سبيل " على " وموضوعات للأعراض على سبيل " فى " ؛ فكان كل شىء وجوده إما بأن يكون مقولا عليها أو موجودا فيها. وهذه الجواهر الكلية فإنها، وإن كانت ثانية، فإن لها فيما بينها تفاوتا؛ فالنوع منها أولى بالجوهرية من الجنس؛ وذلك لأنه أشد مشاركة للجواهر الأول فى ماهياتها، لأنه يدل عليها دلالة أكثر من دلالة الجنس؛ لأنك إذا سئلت: ما زيد وعمرو ؟ فقلت: إنسان، كان جوابا أتم من جوابك عنه بأنه حيوان؛ فهناك لا تكون قد وفيت الماهية، بل يكون للسائل إلى معاودة البحث سبيل. فكل ما هو أشد مشاركة للأول، من حيث هو أول، فهو أقرب إليه، من حيث هو يتقدم به ويتأخر، فهو أولى بالجوهرية.
وعلى أن حال الجنس، من حيث هو كلى، من النوع الذى دونه كحال النوع من الشخص الذى دونه. وكما أن الشخص إنما صار متقدما على النوع لأنه موضوع للجنس والنوع، فكذلك حال النوع من الجنس، وهو بعد الشخص أيضا، موضوع للأعراض الكلية، فيوجد فيه. فإن الإنسان موضوع لأعراض كثيرة: مثل الماشى وذى الرجلين، والغراب للأسود.
فقياس النوع إلى الجنس وإلى سائر الأمور بعد الشخصيات كقياس الشخص إلى النوع وسائر الأمور؛ ولكن لقائل أن يقول: إن الحل الذى أوردتموه فى الشك الذى ذكر فيه أن الكلى، كما أنه متعلق بالجزئى، كذلك الجزئى متعلق بالكلى، بأن قلتم: إن الشخص غير الجزئى المضاف إلى الكلى؛ من حيث المعنى، فهو حل لا يفيد إذا أورد مثل ذلك الشك فى النوع؛ فإن النوع ليس كالشخص، بل إنما هو مقول بالقياس إلى الجنس؛ فلا يكون النوع نوعا إلا بالقياس إلى الجنس؛ اللهم إلا أن يعنوا بالنوع النوع السافل،الذى نوعيته بالقياس إلى الأشخاص؛ ثم يكون كلامكم مخصصا بالمقايسة بين النوع الأخير وأجناسه؛ ولا يتناول المقايسة التى بين نوع متوسط وجنس أعلى منه؛ فيكون بيانا غير مستوعب ولا موضوعا حيث يكون وصفه أوليا؛ فإنكم، لا محالة، تجعلون نسبة ما هو نوع متوسط إلى ما هو جنس فوقه هذه النسبة.
فنقول: إنا لسنا ننظر فى الإنسان أيضا، من حيث هو نوع مقول بالقياس إلى الجنس، بل نظرنا الأول كان فى المقايسة بين الكلى وما ليس بكلى ن ويشارك الكلى فى الماهية، والكلى يقال عليه؛ ونظرنا الآن إنما هو فى أن الكلى الذى هو جنس من الكليين المشاركين المختلفين فى العموم والخصوص ما حاله من الكلى المشارك له الأخص منه الذى ليس بجنس، فنحد تلك الحال. والإنسان الكلى ليس يحتاج، فى أن يكون إنسانا كليا، إلى أن يكون فوقه شىء هو نوعه، بل إلى أن يكون تحته شىء؛ بل الحيوان الكلى لا يحتاج، فى أن يكون حيوانا كليا، إلى أن يكون فوقه جسم كلى، ولا ينعكس؛ وإن كان الإنسان، من حيث هو نوع، محتاجا إلى الجنس، وكذلك الحيوان، فلسنا ننظر الآن فى طبيعة الإنسان والحيوان، من حيث هو نوع، بل ننظر فى طبيعة النوع،من حيث هو كلى فقط، وليس النظر فى طبيعة النوع، من حيث هو كلى، هو النظر فى طبيعة النوع، من حيث هو طبيعة النوع، أو من حيث هو نوع.
Страница 82