وأما الذى فيه اتفاق فى قول الجوهر وشرح الاسم، لكن يكون اتفاق فى معنى يتشابه به، فمثل قولنا الحيوان للفرس، والحيوان للمصور،والقائمة لرجل الحيوان، ولما يقل السرير، فإنه يسمى تشابه الاسم، وهو من جملة الاتفاق فى الاسم؛ فإن المسميات بمثله إنما تتفق فى الاسم ولا تتفق فى قول الجوهر الذى بحسب الاسم؛ وذلك أنك إذا أتيت بقول الجوهر، حيث يقال حيوان للفرس، قلت إنه جسم ذو نفس حساس متحرك بالإرادة، ولا تجد هذا القول هو القول الذى تأتى به إذا شرحت اسم الحيوان ، من حيث يقال على الصورة فى الحائط، فإنك تقول شكل صناعى يحاكى به ظاهر صورة الجسم الحساس المتحرك بالإرادة؛ وكذلك إذا شرحت اسم القائمة فى الحيوان قلت: إنه عضو طبيعى يقوم عليه الحيوان ويمشى به: ولا تجد هذا الرسم فى قائمة السرير، بل تقول: إنه جسم صناعى مستدق مبان من السرير يقل السرير. ومع ذلك فإنك تجد بين الأمرين شبها إما فى شكل وإما فى سائر الأحوال؛ فيكون ذلك الشبه هو الداعى إلى أن تعطى أحد الأمرين اسم الآخر، ويكون الاسم فى أحد الأمرين موضوعا وضعا متقدما، ويكون فى الثانى موضوعا ثانيا. فإذا قيس ذلك الاسم إلى الأمرين جميعا، سمى بالاسم المتشابه، وإذا قيس إلى الثانى منهما سمى بالاسم المنقول. وربما كان المعنى المتشابه به معنى متقررا بنفسه، كالذى للحيوان المصور مع الحيوان الطبيعى؛ وربما كان نسبة ما؛ كما نقول لطرف الخط مبدأ، وللعلة مبدأ. وربما كان هذا الاشتباه اشتباها حقيقيا، وربما كان اشتباها مجازيا بعيدا، مثل قولهم كلب للنجم وللكلب الحيوانى؛ وذلك لأنه لا تشابه بينهما فى أمر حقيقى إلا فى أمر مستعار؛ وذلك لأن النجم ربى كالتابع للصورة التى جعلت كالإنسان، ثم وجد الكلب أتبع الحيوانات للإنسان فسمى باسمه. فما كان سبيل نقل الاسم اإليه هذا السبيل فلا ينبغى أن يجعل فى هذا القسم، بل هو من القسم الثالث الذى لا اشتراك حقيقيا ولا تشابع فيه، مثل قولنا عين للبصروعين للدينار. والسبب فى وقوع هذا الاسم ليس ما ذهب إليه من قال إن الأمور، لما كانت غير متناهية، وكانت الألفاظ متناهية، من حيث تركيبها من حروف متناهية، وجب أن يكون الاسم الواحد تشترك فيه عدة أمور تلزمه. وليس كذلك؛ لا من جهة أن الحروف المتناهية قد يمكن أن تتركب منها تركيبات غير متناهية؛ وذلك لأن هذا الإمكان متعلق بتزيد مقادير ما يركب من الحروف. ثم اللسان والعادة لا تحتمل كل تطويل للتركيبات من الحروف، بل هناك حد تنفر الطباع من استعمال ما هو أطول منه. وإذا كان كذلك، فقد حصل لصلوح التركيب حد محدود وجب له أن يتناهى ما يركب من الحروف؛ ولا لأن غير المتناهى إنما هو فى الأشخاص دون الأنواع على ما يرون. ويقولون: إنه لو كان الاشتراك فى الاسم إ نما يوجبه غير المتناهى، لكان يجب أن تكون أسماء الأنواع أيضا لا يقع فيها اشتراك، فإن هذا البيان مختل لأن الأنواع قد لا تتناهى من وجه، كما علمت ؛ ولأن الأشخاص إذا كانت غير متناهية، فأخذت من حيث هى أمور شاركتها الأنواع، فصارت الأمور غير متناهية وفيها الأنواع، وكانت الأنواع من جملة الأمور التى لا تتناهى؛ والتسمية إنما تقع على الأمور، من جهة ما هى أمور، لا من حيث هى أشخاص. فهذان الاعتراضان لا يكشفان ما فى هذا من الغلط، بل وجه بيان الغلط فى اشتغال من اشتغل بتعليل ذلك من كون الأشياء غير متناهية هو أن الأمور وإن كانت، من حيث هى أمور غير متناهية، فإنها، من حيث يقصدها المسمون بالتسمية، متناهية؛ فإن المسمين ليسوا يشرعون فى أن يسموا كل واحد مما لا نهاية له؛ فإن ذلك لا يخطر ببالهم؛ فكيف يقصدون التسمية له ؟ بل كل ما قصد تسميته فهو متناه. وقد كان يمكن أن يكون لكل واحد منه اسم مفرد؛ والدليل على ذلك أنك الآن لو شئت لأفردت لجميع ما وقعت فيه الشركة فى الاسم اسما مفردا؛ لأن جميع ذلك متناه. فهخذا القول إنما يبطل من هذا الوجه؛ وإن كان يمكن أن يعبر عن هذا القول بعبارة أخرى على وجه من وجوه التكلف.
Страница 46