177

لكن لقائل أن يقول: ليس كلامنا فى أن كل موجب هل يعانده موجب كعناد السكون للحركة مطلقا، بل يسلم أن عناد السلب أعم وأكثر. وأما الموجب إذا تخصص فصار موجبا ضدى المحمول، فهل يتخصص بإزائه ضد هو أشد ضدية له، كما تتخصص الحركة إذا كانت نازلة فإن الذى يضادها هو حركة اشد عنادا من السكون. لكن الشأن فى المفسر المشهور وكل من قرب عهده فإنه أعان هذه الحجة بقياس فاسد، فقال: فإذا كان فى كل الأمور قد يوجد للعقد الصادق فيها عقد النقيض. فيكون هذا شيئا ذاتيا، إذ كان الذاتى شيئا موجودا فى الكل. فانظر كيف غلط فى القياس، وذلك لأنه أورد قوله: إذا كان الذاتى موجودا فى الكل، مقدمة لقياس ينتج: أن هذا شئ ذاتى، ومطلوبه هذا كلى فى موضوع مخصوص لا ينتج إلا من الشكل الأول. فالذاتى من قوله: إذا كان الذاتى موجودا فى الكل، لا يخلو إما أن يجعله حدا أوسط أو حدا أصغر لا محالة، لأنه موضوع فى هذه المقدمة، والمطلوب موجب. فإن جعله حدا أوسط، فلا يجب أن يكون داخلا فى النتيجة، وقد أدخله، وإن جعله حدا أصغر كان الإنتاج هو أن الذاتى يكون كذا لا أن كذا ذاتى، فإن الذاتى يجب أن يكون فى القياس حدا أصغر لا حدا أكبر. وأما إذا اعتبرنا المقدمة الأخرى فإنا نجد ما تشارك به هذه المقدمة حال الوجود فى الكل فإن جعلناه هناك موضوعا حتى كان القياس هكذا: إن الذاتى موجود فى الكل والموجود فى الكل هو أن العقد الصادق فيها عقد النقيض كان مع كذب الكبرى إذا أخذ الموجود فى الكل فيه كما فى الصغرى، أنتج أن الذاتى كذا لا أن كذا ذاتى، وهو مع فساد المقدمة وكذبها إن أخذت كلية حتى تنتج ولم تؤخذ مهملة. وإن لم يجعل الموجود فى الكل موضوعا بل محمولا وهو الواجب كان وجود عقد النقيض هو للعقد الصدق أمرا موجودا فى الكل وكان الذاتى أمرا موجودا فى الكل، فأنتج من موجبتين فى الشكل الثانى. وإن عكس فقال: وكل موجود فى الكل فهو ذاتى، كذب كذبا صراحا. وتتلو هذه الحجة حجة قوية وهو أن عقدنا فى الشئ الذى ليس بخير أنه ليس بخير، لا يمكننا أن نورد بإزائه عقائد أخرى من الجنس الذى نحن فيه، إلا أن نعتقد فيه أنه شر وأنه ليس بشر وأنه خير، لكن اعتقادنا فيه أنه شر قد يصدق مع هذا الاعتقاد فى كثير من الأمور فلا يكون معاندا مطلقا لهذا الاعتقاد، واعتقادنا فيه أنه ليس بشر قد يصدق أيضا. فإنا نجد الشئ الواحد كالطفل لا خيرا ولا شريرا، وكذلك المتوسط فبقى أن يكون معانده أنه خير. فاذن عقد أنه خير هو المعاند لعقد أنه ليس بخير وهو المضاد الحقيقى له، والمضاد مضاد لمضاده. فمعاند أنه خير هو أنه ليس بخير، فإنه لا يجوز أن يكون الشئ يضاد شيئا على الإطلاق بالحقيقة، وذلك الشئ يضاد آخر ولا يضاده. فاذا جعلنا المسألة كلية فنظرنا هل معاند قولنا: كل إنسان ليس بخير، هو قولنا: إن كل إنسان شر أو قولنا: إن كل إنسان ليس بشر أو قولنا: كل إنسان خير، وكان ضده على الوجه الذى بينا هو أن كل إنسان خير، فضد قولنا كل إنسان ليس بخير هو قولنا كل إنسان خير، لكن ضد قولنا كل إنسان ليس بخير، هو قولنا: ولا واحد من الناس خير، فإنه سلب الخير عن كل واحد واحد. فهذا القول فى الشخصى والكلى واحد. وأما المهملات فكيف تتضاد وقد تصدق معا، وكذلك الجزئيتان والأضداد وإن كانت ترتفع معا، وتكذب معا، فليس يجوز فيها أن تصدق معا.

تم الفن الثالث من كتاب الشفاء وهو من الجملة الأولى في المنطق

القياس

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الأولى من الفن الرابع من الجملة الأولى في المنطق

الفصل الأول (ا) فصل في صورة القياس المطلق

Страница 203