170

واعلم أن الموضوع الشخصى إذا سلمت عليه السالبة من طرفى النقيض، جاز أن تبقى سالبة بحالها، وجاز أن تجعل موجبة معدولية إن كان ذلك أنفع. كما إذا سئل هل زيد عدل ؟ فقيل: لا، كان للسائل أن يأخذ أنه ليس زيد بعدل، وأن يأخذ أن زيدا هو لا عدل. وأما إذا كانت القضية محصورة فسأل مثلا هل كل إنسان حكيم، فقيل:لا لم يكن له أن يقول: فكل إنسان إذن لا حكيم. وذلك لأن قوله: لا، معناه ليس كل إنسان حكيما. وهذه كما علمت لا يلزمها: فكل إنسان إذن لا حكيم، وليست فى قوة نقيض تلك، بل فى قوة ضدها. وإنما لم يكن قولنا: كل إنسان هو لا حكيم، نقيضا، إذ النقيض إنما يكون نقيضا إذا سلب عما أوجب، كما أوجب. فأما إذا سلب من حيث هو محمول، ولم يسلب من حيث هو محمول بكمية ما معلومة، لم يكن السلب سلبا لما أوجب من حيث أوجب. فربما لم يكن المحمول كاذبا فى نفسه، بل بجهة حمله، فإذا تركت الجهة بحالها لم تدر ما يكون. فإذا كان الحمل للحكم كذبا بشرط عمومه، فيجب أن يرفع عموم حمله فيقرن السلب بالسور الموجب فيرفع عموم الإيجاب. واعلم أنه وإن كانت أجزاء القضايا قد تزال عن أماكنها فى بعض الأوقات فلا تؤثر فى المعنى على حسب التعارف فإن لكل جزء منها مكانا طبيعيا. أما السور فقد يبدل مكانه، فيقال الناس أحياء كلهم أو طرا، فيؤخر السور، ويفرق بينه وبين الموضوع؛ وإنما مكانه الطبيعى هو مجاورة الموضوع. وكذلك الرابطة قد يبدل موضعها الذى لها، فيقال تارة يوجد الإنسان عادلا وتارة الإنسان يوجد عادلا وتارة الإنسان عادلا يوجد؛ وإنما مكانها الطبيعى مجاورة المحمول، بل قد يبدل وضع المحمول والموضوع. ولكن التفريق بين السور وبين حرف السلب مما لا يجوز. وسيأتى لك فى باب الجهات بيان آخر. وقد يكلف إيضاح أن قولنا يوجد الإنسان عدلا وقولنا يوجد عدلا الإنسان معناه معنى واحد بأن قيل إن كان سلبهما واحدا فيجب أن يكونا واحدا. لكن سلب قولنا يوجد الإنسان عدلا هو أنه ليس يوجد الإنسان عدلا، فإن لم يكن هذا سلب قولنا يوجد عدلا الإنسان، فليكن سلبه، أما قولنا ليس يوجد عدلا اللاإنسان أولا يوجد عدلا إنسان. لكن الأول سلب قولنا يوجد عدلا اللاإنسان، والثانى سلب قولنا يوجد إنسان عدلا، وهذا البيان لا يغنى شيئا، وذلك لأنه إما أن لا يشكل الأمر فى وحدانية حكم هاتين القضيتين وإما أن يشكل. فإن أشكل وأمكن أن يكون أحد من الناس يرى أن قولنا يوجد الإنسان عدلا غير قولنا يوجد عدلا الإنسان يرى أيضا أن السلبين متخالفين، أعنى قولنا لا يوجد الإنسان عدلا وقولنا لا يوجد عدلا الإنسان. فلا يرى أن يوجد عدلا الإنسان هو سلب قولنا يوجد الإنسان عدلا. فإن قال إنا نعلم إذا قلنا ليس يوجد عدلا الإنسان أو قلنا ليس يوجد الإنسان عدلا، إنما تسلب فيهما العدالة عن الإنسان. فيقال إن هذا ليس أظهر من إيجاب العدالة للإنسان فى القولين الموجبين. فإن كان ذلك مما يشكل فبالحرى أن يشكل هذا، بل الحق أن ذلك ظاهر لا يشكل، وهذا أيضا ظاهر ليس يشكل، وليس أحدهما أولى من الآخر بأن يشكل أو بأن يظهر.

الفصل الثالث (ج) فصل في تعريف الحال في القضايا المتكثرة والمتأحدة واللاتي تختلف حال صدقها وكذبها بحسب التفريق والجمع واللاتي لا تختلف فيها وبيان ظنون غالطة وقعت للناس فى بعض ذلك

Страница 188