ثم ههنا مشكلات يجب أن تورد فتحل؛ وذلك أن لقائل أن يقول: إن الحرارة وحدها لا تكون ضدا، بل تكون حرارة فقط، بل إنما تصير ضدا بالقياس إلى البرودة، وهو إذا أخذت بالقياس إلى البرودة ضدا كانت مضافة، فإنها وإن لم تكن، من حيث هى حرارة، من المضاف، فليست أيضا بمضادة، بل إذا كانت مقيسة كانت ضدا، وإذا كانت مقيسة وضدا، صارت أيضا مضافا، فهى من حيث هى ضد، ماهيتها مقولة بالقياس إلى غيرها، ومن حيث هى ماهيتها مقولة بالقياس إلى غيرها، هى من المضاف، فهى من حيث هى ضد هى من المضاف. فيكون التضاد والمضاف إما شيئا واحدا، أو يكون التضاد شيئا داخلا تحت المضاف، فلا يكون كالقسيم له تحت التقابل . وههنا مشكل آخر، وهو أن التقابل، من حيث هو تقابل، من المضاف، ثم المضاف تحت التقابل، وأخص منه؛ وهذا محال، سواء كان دخولا كما تحت الجنس أو دخولا كما يكون تحت معان ليست أجناسا، ولكنها لوازم، أو مشككات الأسماء. بل وما يجب أن يبحث عنه، هل التقابل جنس لهذه أو ليس بجنس، وإن كان جنسا فهل هو جنس أعلى، أو ليس بجنس أعلى؛ فهذه المباحث مما يخلق أن يبحث عنها المنطقى، إذ كان تكلف الخوض فيها بهذا الفن من العلم أليق. فنقول: إن الحرارة ينظر إليها وإلى البرودة معا، فتكون الحرارة من حيث هى حرارة ضدا للبرودة، ثم توجد من حيث هى حرارة ضدا للبرودة، ثم توجد من حيث هى ضد مرة أخرى، فتكون مضافة إلى البرودة، فتكون الحرارة بنفس اعتبارها مع البرودة يصح عليهما معنى حد الضد وهو أنهما كذا وكذا، ولا يصح عليهما معنى التضايف، إذ ليس أحدهما مقول الماهية بالقياس إلى الآخر، وكل واحد منهما منازع للآخر فى الموضوع. فصحيح لك أن تقول: إن الحرارة والبرودة كل واحد منهما منازع الآخر موضوعه إن كان مشتركا، وليس صحيحا لك أن تقول: إن الحرارة والبرودة كل واحدة منهما مقولة الماهية بالقياس إلى الأخرى؛ لكن صحيح لك أن تقول: إن الحرارة من حيث تنازع وتضاد البرودة فى موضوعها مقولة الماهية بالقياس إلى الأخرى. فإذن الموضوع فى حمل الضدية شئ، والموضوع فى حمل الإضافة شئ، هو إما نفس المحصول الأول، وإما الموضوع مأخوذا مع المحصول الأول ملحوظا فيه الأخذ مع المحمول الأول. ونفس التضاد شئ، والأشياء المتضادة شئ. والأشياء المتضادة، هى الموضوعات للشئ الذى هو نفس التضاد، ونفس التضاد موضوع للمضاف.
ولك أن تقول: إن الموضوعات للمضادة، إذا أخذت متضادة، صارت بسبب ذلك مضافة، وليس لك أن تقول: إن الموضوعات للمضادة، إذا أخذت مضادة، صارت بسبب ذلك مضادة.فالمضاد إذن غير المضاف، وليس الأمر الذى هو التضاد هو الأمر الذى هو المضاف، وإن كان التضاد يلزمه المضاف من حيث هو تضاد ، فهذا حل شك. وأما حل الشك الثانى، فيجب أن تعلم، أن المتقابلات تعرض لها الإضافة، وليست فى هويتها بمضافات، فإن كل تقابل من حيث هو تقابل مضاف، وليس كل تقابل بمضاف؛ وفرق بين قولنا: إن كل تقابل من حيث هو تقابل مضاف، وبين قولنا: إن كل تقابل مضاف.وذلك لأن التضاد من التقابل، وقد علم أن الموضوع له، ليس هو الموضوع للمضاف، كما بينا. لكن الموضوع له، من حيث هو تقابل، يصير موضوعا للمضاف. فلذلك ليست الأمور المتضادة مقولة الماهية بالقياس إلا أن تقال من حيث هى متضادة، ولا الملكة والعدم من المضاف. ولو كان المضاف أمرا مقولا على التقابل قولا مطلقا، لكان كل متقابلين فهما متضايفان مطلقا، لا بشرط إلحاق أنهما كذلك من حيث هما بحال كذا، لكن كل متضايف فهو متقابل، وكل متضاد وكل عدم وملكة، وليس كل متقابل من المضاف، فليس إذن المتضايف أعم من المتقابل، فليست الإضافة أعم من التقابل. ومع هذا فإن الذى هو خاص قد يعرض لكل ما له طبيعة العام، باعتبار شرط يصير العام به أخص، وهو ههنا النظر إليه من حيث هو متقابل، وهذا النظر يخصصه، فيمنع عمومه لكل ما تحته ويحرم حمله عليه. ولذلك لا تقول: إن المتضادات هى متقابلات من حيث المتقابلات متقابلات، وإن كنت تقول: إن المتضادات متقابلات، فإن ذلك كذب، بل كونها من حيث هى متقابلات اشتراطا، أخذها بالمعنى الذى هو الموضوع لعموم التقابل، وأخذها بذلك المعنى، كأخذ الحيوانية من حيث هى حيوانية، محذوفة عنها الخصائص بشرط الحذف. فحينئذ يلزم الحيوانية ما لا تحمل على جميع جزئيات الحيوانية، فإن الحيوانية إذا كانت كذلك، يلزمها أن تكون عديمة النطق، وليس كل حيوان عديم النطق. وكأخذها لا فى مادة، إذا نظر فيها من حيث ليست فى مادة، وليس كل حيوانية كذلك.
Страница 141