127

ولقائل أن يقول إن أكثر هذه الأشياء التى عددتموها فى مقولة الكيفية، فإنها من مقولة المضاف، كالملكة، والقوة، والعلم، وما أشبه ذلك. والجواب أن هذه الأشياء، ليست بذواتها من مقولة المضاف، بل مما قد عرضت له الإضافة، إذ لها وجود غير ما هى به مضافة. فإنه وإن كانت ماهياتها مقولة بالقياس إلى غيرها،فإنها لا يجب بذلك أن تكون من مقولة المضاف. إذ قد احتاج الرسم الموجب لذلك، كما علمت، إلى دعامة أخرى، وتغيير يلحق به، حتى يصير خاصا بالمقولة. وكذلك قد علمت أن الجواهر، كان يظن ببعض نوعياتها، أنها من المضاف لهذا الرسم، فلما حصل الرسم، علم أنها ليست من المضاف، وذلك حين كان لها وجود محصل مخصص، لم تكن به من المضاف، إذ كان ذلك الوجود لها مجردا. وأنت تجد مثلا فى ذلك فى العلم، فلو كان العلم لذاته تقال ماهيته بالقياس إلى غيره، ولوجوده الذى يتقوم به من كل وجه، ولم يكن كيفية يلزمها إضافة، وله وجود أنه كيفية، ويلحقها وجود هوية مضاف، لكان إذا حصل العلم، وخصص أثر ذلك فى تخصيصه كونه مقول الماهية بالقياس. لكن ليس الأمر كذلك، فإن نوعيات العلم، كالنحو، لا تقال ماهياتها بالقياس إلى غيره فى حد تخصيصه، بل من جهة معناه الأعم، وهو كونه علما. فلا يقال: النحو نحو بشىء، بل يقال: إن النحو علم بشىء كما كان هناك لا يقال إن هذا الرأس، هو هذا الرأس لشىء، بل يقال هذا الرأس رأس لشىء. فإذا كان هذا ينبهك هنالك، أن هذا الرأس مخصص من ذلك الرأس من حيث وجوده، الذى ليس به مضايفا، بل عارضة له الإضافة؛ حتى أن هذا التخصيص يتعرى عن موافقة تخصيص الإضافة بإزائه، بل يلزمه من الإضافة ما لزم الطبيعة العامة، التى تلحقها الإضافة، كالرأسية. وكذلك ههنا، إنما صار النحو جزءا من العلم، من حيث العلم كيفية، ولذلك لم يتبعه من الإضافة إلا ما لحق جنسه أولا، وكان هذا التخصيص ليس من جهة ما لحقه من الإضافة، بل من جهة الوجود الخاص كأن كيفية ما تكون هيئة فى النفس، وصورة مجردة عن المادة، هى مطابقة لأمور من خارج، فيكون عاما لهيئات وصور فى النفس مجردة، كلعا تشترك فى هذا الحد، ولا تختلف فيه. فتشترك أيضا فى أنها مطابقة لأمور من خارج، لا لأجل خصوصيتها، بل لأجل أن هذا المعنى عارض أولا للمعنى العام لها، فلو كانت تتخصص تخصص المضاف الذى لا وجود له إلا أنه مضاف، لكان يجب أن تكون الإضافة تلحقها لتخصصها، فإذ قد بقى مخصصها فى حد تخصيصها غير مضاف، فإنه وجود غير مضاف.

فإذا كانت النوعيات ليست من المضاف فى ذواتها، بل لها وجود خاص، وإنما المقول ماهيته بالقياس، هو الجنس الذى لأجله يقال كذلك للنوع، وفى حد تخصصه لا يقال وكان للنوعيات وجود ليست به مضافات فجنسها أيضا كذلك، وإن عرضت له الإضافة فليس من المضاف بذاته؛ فإنه يستحيل أن يكون الجنس داخلا بذاته فى مقولة، ثم تكون أنواعه فى ماهيتها غير داخلة فى تلك المقولة. وهل المقولة إلا جنس الجنس، وهل صورة المقولة إلا هذه الصورة ؟ فبين إذن، أنه لما لم يكن النحو من المضاف، فليس العلم من المضاف، إلا على أنه عارض له المضاف عروضا لازما، لا على أنه نوع من المضاف.

Страница 131