إن الدال على الماهية قد قيل فيه: إنه هو الدال على ذاتى مشترك كيف كان، ولم يبلغنا ما هو أشد شرحا من هذا. فلننظر الآن هل المفهوم من هذه اللفظة، بحسب التعارف العامى، هو هذا المعنى أولا، وهل ما تعارفه الخاص واتفقوا عليه بسبيل النقل يدل عليه ؟ فإنا إذا فعلنا هذا، اتضح لنا غرض كبير. أما المفهوم بحسب التعارف العامى فليس يدل عليه؛ وذلك لأن الدال على ماهية الشىء هو الذى يدل على المعنى الذى به الشىء هو ما هو. والشىء إنما يصير هو ما هو بحصول جميع أوصاف الذاتية المشترك فيها، والتى تخص أيضا؛ فإن الإنسان ليس هو ما هو بأنه حيوان، وإلا لكانت الحيوانية تحصل الإنسانية. نعم الحيوانية محتاج إليها في أن يكون هو ما هو، وليس كل ما يحتاج إليه في أن يكون شىء هو ما هو، يكون هو الذى يحصل بحصوله وحده الشىء هو هو. فإذا كان كذلك لم يكن الذاتى مشترك للشىء مع غيره وحده، ولا الخاص وحده هو ماهية الشئ بل جزء ماهيته. والعجب أن جماعة ممن يرى أن الذاتى والدال على الماهية واحد لايجعل الذاتى الخاص دالا على ماهية ماهو ذاتى له، وهو الذي نسميه بعد فصلا؛ فهذا هذا.
وأما تعرف الحال في الدال على الماهية على سبيل الوضع الثاني والتعارف الخاص، فهو أنا نجد الحيوان والحساس محمولين على الإنسان والفرس والثور، ثم نجد أهل الصناعة يجعلون الحساس وما يجرى مجراه من جملة أمور يسمونها فصولا لأمور يسمونها أجناسا ذاتية، ثم لايجعلونها من جملة مايسمونه أجناسا، ويجعلون كل ما يكون دالا على الماهية لعدة أشياء علوية مختلفة جنسا لها. وكذلك حال الإنسان والناطق بالقياس إلى أشخاص الناس، فيجعلون الإنسان يدل عليها بالماهية، ولايجعلون الناطق كذلك، ويجعلون الإنسان لذلك نوعا للحيوان دون الناطق. فإن الشئ الذي يقولون إنه دال على الإنية الذاتية المشتركة، يجعلونه شيئا غير الدال على الماهية الذاتية المشتركة، ولا يجعلون الشئ الواحد صالحا لأن يكون بالقياس إلى أشياء إنية وماهية، حتى يكون، من حيث يشترك فيه، هو ماهية لها، ومن حيث يتميز به عن أشياء أخرى هو إنية لها، حتى يكون الشئ المقول على الكثرة من حيث تشترك فيه الكثرة جنسا أو نوعا، ونم حيث تتميز به فصلا. فيكون ذلك الشئ لتلك الأشياء جنسا أو نوعا، ومع ذلك يكون لها فصلا، بل إذا وجدوا جنسا ارتادوا شيئا آخر ليكون فصلا يقوم الجنس، إن كان جنسا له فصل يقومه وكذلك إذا وجدوا نوعا طلبوا شيئا من ذاته هو الفصل، ولو كان الشئ إنما هو دال على الماهية، حتى هو جنس ونوع، لأنه دال على ذاتى مشترك فيه، لكان الأمر بخلاف هذه الأحكام.
Страница 13