102

اعلم أنا إلى هذا الوقت إنما أخبرنا عن مضافات يطابقها الحد المذكور، فبعضها كانت ماهياتها مقولة بالقياس إلى غيرها، وبعضها كانت قد تصير كذلك بنحو من النسبة يلحقها. فلننظر هل الرسم المذكور هو رسم المقولة، أو رسم معنى يصلح أن يقال إنه مضاف، وليس هو نفس المقولة أو نوعا من المقولة، فنقول: إنا نعلم أن المقولات متباينة، وأنه لا يصلح أن تحمل مقولتان معا على شئ واحد حمل الجنس حتى يكون الشئ الواحد يدخل من جهة ماهيته فى مقولتين، وإن كان قد يدخل الشئ فى مقولة بذاته، وفى الآخر على سبيل العرض. وقد فرغنا فيما سلف عن هذا. ثم إن هذا الحد لا يمنع العقل مطابقته أمورا تدخل فى مقولات أخرى، فإن الرأس قد يحتاج أن يكون بذاته جوهرا حتى يكون رأسا، كما يحتاج إلى أن يكون مقولة الماهية بالقياس إلى غيره حتى يكون رأسا؛ فكلا الأمرين مقوم له من حيث هو رأس، ليس أحدهما بالذات والآخر بالعرض. والرأس إنما يكون كذلك إذا أخذ رأسا على الإطلاق وكان على اعتبار الجواهر الثانية. وأما إذا أخذ مخصصا على أنه هذا الرأس، فإنه لا تقال ماهيته بالقياس إلى غيره حينئذ؛ وذلك أنه بسبب أن ذاته قد تحس وتتخيل من غير أن يعلم الشىء الذى هو رأسه من حيث هو هذا الرأس، والذى هو رأسه من حيث هو هذا الرأس فإنه هو هذا الإنسان. وأما إذا دل على أنه رأس لشىء جملة، فليس ذلك له من حيث هو هذا الرأس، بل من حيث هو رأس على الإطلاق. وكذلك لا يقال إن هذا الرأس رأس ما بالقياس إلى شىء؛ بل إنه رأس على الإطلاق بالقياس إلى شىء. ويمكننا أن نقول: إن الرأس إنما هو رأس بالقياس إلى ذى الرأس؛ ولا يمكننا أن نقول: إن هذه اليد إنما هى هذه اليد بالقياس إلى سقراط، أو هذا الذى هو ذو رأس، حتى لو رأيت هذه اليد منكشفة غير مستورة تمثل فى ذهنك ضرورة بإزائه ما هو بالقياس إليه وهو سقراط، أو هذا ذو الرأس، كما تمثل هنالك ذو الرأس.

وأيضا فإن بعض الأمور التى ذكرت قد كانت فى ذواتها من مقولة الكيفية أيضا، مثل الملكة؛ فإنها كيفية، وقد قيلت بالقياس إلى غيرها بنحو من أنحاء النسبة. وكذلك أمور أخرى من مقولات أخرى. فالرسم الأول لا يمنع من أن تكون ههنا أمور هى من باب الجوهر وغيره داخلة فى المضاف. فليس هذا الحد إذن حد المقولة وإلا لاشترك فى حد واحد أمور من مقولات شتى وإن لم يكن حدا لها، بل إنما هو حد بحسب اسم معنى يعمها مقوم لماهيتها يقال عليها. فإنه لا يجوز أن تكون الأمور التى جنسها الجوهر جنسها شيئا غير الجوهر.

فيجب إذن أن تتأمل هذا الحد، وتتدارك خللا إن وقع فيه. والتدارك المشهور لهذا هو أن الأمور التى من المضاف هى التى الوجود لها هو أنها مضافة؛ وهذا تدارك صحيح، لكن بعض الناس يظن أن هذا بعينه هو الحد الأول، وستعلم أنه ليس هو الأول عن قريب. ولو كان هو الأول، لكان بالأول غنى عنه، وخصوصا والأول يدل على المعنى الذى يدل عليه دلالة واضحة لا يدل عليها هذا الثانى، إن دل دلالة بذلك الوضوح.

Страница 106