وكذلك حديث الصعب بن جثَّامة (^١). فلما حرَّم الصيدَ عند قصده المُحْرِم وأباحَه عند عدم قَصْدِه المُحْرِم؛ عُلِم أن النيةَ حرَّمَتْ وأثَّرت فيه بالتحليل أو التحريم، فيعلم بذلك أن القصدَ مؤثِّر في تحريم العين التي تُباح بدون القصد، وإذا كان هذا في الأفعال الحِسِّيَّة؛ ففي الأقوال والعقود أولى.
فعُلِمَ أن من حرَّم اللهُ عليه امرأتَه بعد الطلاق، وأباحها له إذا تزوَّجت بغيره، فهو بمنزلة من حرَّمَ اللهُ عليه الصيد، وأحلَّه له إذا ذَبَحه غيره، فإذا كان ذلك الغير إنما قصد بالنكاح أن تعود إلى الأوَّل؛ فهو كما إذا قصد ذلك الغير بالذبح أن يَحِلَّ للمُحْرِم، فإنَّ المناكح والذبائح من بابٍ واحد.
ويؤيّد ذلك - أيضًا -: ما رُوي عنه ﷺ أنه قال: "من تزوَّج امرأةً بصَدَاق ينوي أَنْ لا يؤدِّيَه إليها، فهو زانٍ. ومن ادَّان دينًا ينوي أن لا يَقْضِيَه، فهو سارقٌ" (^٢). فجعله زانيًا وسارقًا إذا قَصَد أن لا يؤدِّي العِوَض. رواه أبو حفص العكبري.
يؤيده: ما روى البخاري (^٣): "من أَخَذَ أموالَ (١٥٤/ أ) الناسِ يريدُ أداءَها أدَّاها اللهُ عنه، ومن أخذها يريدُ إتلافَها أَتْلَفَه الله".
_________
(^١) أخرجه البخاري رقم (١٨٢٥)، ومسلم رقم (١١٩٣).
(^٢) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير": (١/ ٢٥٨)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" رقم (٢٧٢).
وهو حديث ضعيف، انظر "العلل المتناهية": (٢/ ٦٢٣ - ٦٢٤).
(^٣) رقم (٢٣٨٧).
1 / 58