الوجه الثاني عشر (^١): وهو أن هذه (^٢) الصحابة؛ عائشة وابن عباس وأنس أفتوا بتحريم ذلك، وغَلَّظوا فيه في أوقاتٍ مختلفة، ولم يبلغنا أن أحدًا من الصحابة، بل ولا من التابعين رخَّصَ في ذلك، فتكون حجة راجحة، بل إجماعًا على تحريم ذلك.
ولا يقال: فزيد بن أرقم فعلَه؛ لأنه لم يقل: إن هذا حلال، بل يجوز أن يكون فعلَه جريًا على العادة من غير تأمُّلٍ ولا نظرٍ ولا اعتقاد.
ولهذا قيل: أضعفُ العلمِ الرؤية. يعني أن يقال: رأيتُ فلانًا يفعل كذا، ولعلَّه قد فعله ساهيًا. وقال إياس: لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سَلْه يَصْدُقك، ولهذا لم يذكر عنه أنه أصرَّ على ذلك بعد بلوغِه إنكار عائشة.
وقد يفعل الرجلُ النبيلُ الشيءَ مع ذهوله عنه فإذا نُبِّه انتبَهَ، وإذا احتمل (^٣) ذلك لم يَجُز نسبةُ اعتقادِ حلِّه إلى زيد - رضى الله عنه -. وفي تلاوة عائشة عليها: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة: ٢٧٥] دليلٌ على أن الإنكار لأجل الاستحلال، لا لأجل جهل الأجل، فإن هذه الآية إنما هي في التائب من الربا، وهذا دليل على بطلان العقد الأول إذا قصد به التوسُّل إلى الثاني، وهذا هو الصحيح من مذهبنا وغيره.
_________
(^١) كذا في الأصل و(م)، وفي "الإبطال": (ص/ ٧٦) لم يجعل هذا وجهًا جديدًا، بل هو تابع للوجه الحادي عشر.
(^٢) كذا في الأصل و(م)، وفي "بيان الدليل": "هؤلاء".
(^٣) أي: الفعل.
1 / 53