Шицр ва Фикр: Исследования в области литературы и философии
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Жанры
إن كل دواوين أنجارتي تحمل هذه العبارة «حياة رجل». والشاعر نفسه يشرحها في مقدمة ديوانه «الفرح»، حيث يقول: «هذا الكتاب مذاكرات يومية». والمؤلف لا يطمح، ويعتقد أن الشعراء الكبار لم يكونوا يطمحون إلى أبعد من أن يتركوا وراءهم سيرة حياة جميلة. ولذلك فإن القصائد هي عذاباته الشكلية، أو سجل عذابه مع الشكل، ولكنه يريد أن يفهم عنه للمرة الأولى والأخيرة أن الشكل يعذبه؛ لأنه يطالبه بملاءمة التغيرات التي تطرأ على فكره ووجدانه. وإذا كان كفنان قد حقق أي تقدم يذكر، فهو يتمنى ألا يكون لهذا سوى معنى واحد، وهو أنه كإنسان قد استطاع أن يبلغ شيئا من الكمال. لقد نضجت رجولته وسط أحداث غير عادية لم يقف بعيدا عنها أبدا. وهو وإن لم ينكر أن الأدب يتجه إلى العام، فقد رأى على الدوام أنه حيث ينشأ شيء ذو بال، فإن العام من خلال شعور تاريخي فعال، لا بد أن يلتقي في النهاية مع صوت الشاعر الوحيد ...»
يقول أنجارتي كذلك عن نفسه إنه لما كان الذئب يفقد جلده، ولا يفقد رذيلته، فإنه يراجع قصائده وينقحها مع كل طبعة جديدة لأحد دواوينه. والحق أن شعره يتميز بهذه الصفة النادرة، ألا وهي البحث عن الجوهر وإبرازه نقيا خالصا كالبلور. وهو يسعى جاهدا إلى أدق تعبير ممكن، وأقربه إلى الطبيعة والإقناع، كما ينشد النغم المتسق، ويلون القصيدة بجرس موسيقي يوحي بالشعور الذي يحاول نقله إلى القارئ مما يستحيل بالطبع على كل ترجمة.
اشتهر عن أنجارتي بحق أو بغير حق أنه شاعر غامض ملغز، بل مؤسس دعوة إلى الإلغاز ، ولكن من يقرأ شعره لن يفهم هذا القول، ولن يستطيع أن يصدق كل ما فيه. فلنحاول الآن أن نتدبره معا.
يعرف القارئ من النماذج السابقة أن أشعار أنجارتي تتميز بالتركيز البالغ. فالكلمة كما يقول بنفسه هي شق أو صدع قصير للصمت. إنها شذرة تقف وحيدة مرتعشة بين عالم الأسرار الذي لا تكاد تلامسه، إلا من بعيد، وبين الصمت الذي لا يلبث أن يطبق عليها. وكل قصائد أنجارتي تتفق في هذا الطابع الذي يميزها، ويجعل منها شذرات لم تتم، ويتضح هذا بوجه خاص في قصائده المركزة القصيرة التي يعد أستاذا فيها مثل لوركا، والتي سنعود إليها بعد قليل.
ولا يصح أن نحاول فهم قصائد أنجارتي من ناحية المضمون. فكثيرا ما يصيبنا الذهول؛ لأنها لا تتضمن أي شيء، أو لأننا لا نستطيع في بعض الأحيان أن نفهمها على الإطلاق. والواجب أن ننظر إلى كلماتها كصيغ صوتية أو أشكال نغمية تخلف وراءها صدى ساحرا. ولنتأمل إحدى قصائده الحرة لنرى كيف يبدو هذا الغموض الذي اشتهر به شعره عن حق أو غير حق كما قدمت. إنها قصيدة «الجزيرة» التي ظهرت في سنة 1933م في ديوانه عاطفة الزمن. لنقرأها أولا قبل التعليق عليها:
هبط إلى شاطئ، كان يسوده المساء الأبدي
من غابات متفكرة سحيقة القدم
وتوغل بعيدا،
وجذبه حفيف أجنحة،
صعد من خفقة قلب الماء الصارخة
Неизвестная страница