فما كان ظلما قتلنا القوم إذ بغوا ... وضاقت عليهم في البلاد المصادر١
وللأبيات أهمية تاريخية كبيرة، لأنها تكشف كشفا دقيقا عن تحالف قيس وتميم في هذه الفترة المبكرة، لاتفاق مصالحهم المختلفة، ولأنها تبين عن معاداتهم جميعا لبكر، ومما لم يطلعنا عليه المؤرخون. بمثل هذا الوضوح المطلق.
وعندما ضيق ابن خازم على بني تميم بهراة، تفرقوا في مدن خراسان، فمضى بحير بن ورقاء إلى نيسابور، واتجه دثار بن شماس العطاردي ناحية أخرى، وقيل: أتى سجستان، وأخذ عثمان بن بشر بن المحتفر إلى فرتنا، فنزل قصرا بها، وسار الحريش بن هلال ناحية مرو الروذ، فاتبعه ابن خازم، فلحقه بقرية من قراها يقال لها: قرية الملحمة، أو قصر الملحمة، فتنازلا طويلا، صمد الحريش لابن خازم صمودا شديدا، وصده صدا عنيفا. وفي ذلك يقول الخريش يصف قوة بأسه وصلابته، وحسن بلائه في مقارعته لابن خازم عامين متصلين، ويصف سهره وحذره، وامتشاقه لرمحه، وسله لسيفه، ومعالجته لفرسه٢:
أزال عظم يميني عن مركبة ... حمل الرديني في الإدلاج والسحر٣
حولين ما اغتمضت عيني بمنزلة ... إلا وكفي وساد لي على حجر
بزي الحديد وسربالي إذا هجعت ... عني العيون محال القارح الذكر٤
_________
١ المصادر: المواضع.
٢ الطبري ٧: ٥٩٨، وابن الأثير ٤: ٢١٠،.
٣ الرديني: الرمح. والإدلاج: سير آخر الليل.
٤ البز: السلاح التام يدخل فيه الدرع والمغفر والسيف. والسربال: الدرع. والمحال: الكيد والتدبير وروم الأمر بالحيل، والقارح: الفرس في الخامسة. والذكر من الحديد: أيبسه وأشده وأجوده. ولعله استعار هذا الوصف للفرس.
1 / 85