Шарх Бухнир на учение Дарвина
شرح بخنر على مذهب دارون
Жанры
وأما توما هوبس
3
المولود سنة 1588 فبحث في فلسفته؛ ليعرف أي شيء هو ذاك الذي يولد الشعور والصور في الكائنات الحية. ومذهبه في الشعور حسي محض؛ أي إنه يرد كل شيء إلى الحواس، فالإحساس عنده حركة في أجزاء الجسد مسببة عن حركة الأشياء من خارج، وهو يفصل صفة الإحساس التي إنما تحصل فينا، كالنور واللون والصوت عن حركة الأشياء نفسها، وهو يقول: إن كل معرفة آتية من الاختبار الخارجي، والعقل والإدراك ليسا إلا مقابلة في نسبة الصور والأفكار المتولدة من انفعال الحواس، وتبليغ هذه الانفعالات إلى باطن الحيوان يكون بواسطة الأعصاب، وتصور الأشياء الخارجية الذي يحصل عن ذلك ليس إلا «رد فعل في الحيوان كله». وأما فيما تعلق بالعالم فيقتصر على ما تدرك أسبابه منه، ويترك ما بقي لعلماء اللاهوت، وينظر إلى الله في تعليله عنه كأنه كائن جسماني.
وهوبس هرب من إنكلترا خوفا من الشعب، والتجأ إلى باريس حيث عاش بالاتصال مع جسندي، وقد أخذ عنه كثيرا. وهو يعرف الفلسفة بقوله: إنها علم موضوعه الوصول بالاستنتاج الصحيح إلى معرفة الأسباب بالمسببات، والمسببات بالأسباب. وقد أراد أن يكون للفلسفة فائدة عملية، فقال: إنها يجب أن تخدم السياسة والصناعة. ولا يعتبر الدين إلا أوهاما ونتيجة الخوف، فإذا صادقت الشريعة على هذا الخوف وحافظت الحكومة عليه صار دينا وإلا فهو خرافة.
وقد أثرت تعاليم هوبس وباكون تأثيرا حميدا جدا في إنكلترا التي استفادت منها في معاملاتها، كما هي العادة عندها أكثر من سواها؛ فإنه لما انقضى فيها عصر القسوة والضغط على الأفكار، وانتفى موجب الرياء، اشتد الميل في حكامها إلى تنشيط العلوم والمعارف الاختبارية. وكارلوس الثاني الذي كان يود هوبس جدا، حتى أجرى عليه الرواتب وعلق رسمه في غرفته كان طبيعيا ماهرا، وكان عنده في قصره معمل للاختبارات الطبيعية. وقد انتشر حب العلوم الطبيعية والكيماوية بين الجميع، وصارت السيدات النبيلات تتردد على حلقات العلماء، وتحضر امتحاناتهم المغنطيسية والكهربائية. وهكذا تقدمت إنكلترا في العلوم الطبيعية تقدما سريعا، ونهجت بها منهجا ماديا عمليا حميدا، حصلت منه على فوائد عظيمة حتى أصبحت في قرون قليلة أغنى الأمم وأقواها.
ومن الذين تميزوا في الفلسفة المادية في إنكلترا بعد هوبس الشهير جون لوك (المولود 1632)، وهو وإن لم يكن ماديا إلا أنه مهد السبيل للفلسفة المادية بمضادته الأفكار الغريزية والعقل المجرد عن الحواس. ثم بعد أن اشتغل بالفلسفة اشتغل أيضا بالطب، ولم يتداخل في الأمور السياسية خلافا لهوبس، وكان على ضد مبدأ هوبس في الأمور الاجتماعية ديموقراطيا بخلاف هوبس ، فكان من أنصار الأثرة الأرستوقراطية. وعاش زمانا طويلا متغيبا عن وطنه؛ لمضادة الحكومة له بسبب أفكاره حتى حصلت ثورة سنة 1688 فعاد إليه. وكتابه «في الإدراك البشري» أو في أصل معرفة الإنسان وحدودها، الذي ظهر سنة 1690 واضح جدا وجلي للغاية، بحيث انضم إليه سريعا كل متنور في إنكلترا. وهذا مخلص أهم ما فيه:
لا يوجد أفكار ولا مبادئ ولا معلومات غريزية خلافا لبلاتون ودكارتوس، وفي الجملة لا يوجد فينا أفكار أولية ولا حقائق أدبية أو منطقة غريزية؛ لأننا لا نعلم حقيقة أدبية أو قضية منطقية ذات اعتبار واحد في كل مكان وزمان، وفي الشعوب المختلفة. والذين لم تتهذب عقولهم لا يعلمون بوجود قضايانا المجردة، ولا بأكثر حقائقنا الأدبية، فكيف تكون إذن غريزية؟! وفضلا عن ذلك فإننا في معارفنا التي نتحصل عليها بالاختبار لا ندرك الكلي قبل الجزئي، بل بالضد ندرك الجزئي أولا، ثم الكلي.
فعقل الإنسان أشبه بلوح صقيل أو قرطاس أبيض تنطبع عليه المحسوسات الآتية من خارج، وهذه المحسوسات الخارجية هي مصدر ما يكتسبه عقلنا من المعلومات. قال كوك: «كل معلوم متوقف على الاختبار، ومراقبتنا التي موضوعها إما الأشياء الخارجية المحسوسة، أو أعمال عقلنا الباطنة الحاصلة بالتأمل هي التي تقدم لعقلنا كل مواد الافتكار، وفي سوى هذين المصدرين لا يوجد فكر.» والولد لا يكتسب معرفة بعض الصور التي هي مواد معرفته في المستقبل إلا بواسطة حواسه شيئا فشيئا، فلو أردنا لأمكن لنا أن نربي ولدا بحيث لا يكتسب إلا شيئا دون الطفيف من الأفكار المألوفة. وفي حداثتنا يغرسون في رءوسنا كثيرا مما يسمونه مبادئ أو أوليات لا أصل لها إلا وهم جدتنا أو عجوز أخرى، فإذا بلغنا سن الإدراك نجد فينا أفكارا لا نعلم كيف نشأت فينا، فنقول: إنها من الله أو من الطبيعة؛ أي إنها غريزية. وخلاصة هذه الملاحظات هي في هذه القضية وهي: «لا شيء في العقل لم يكن في الحواس من قبل.»
ولوك يسلم بأن للمعرفة نوعين كما تقدم؛ أحدهما: حسي، والثاني: تأملي؛ أي معرفة الأشياء الخارجة عنا ومعرفة الأشياء الباطنة فينا. إلا أنه يعتبر هذا الأخير من طبيعة حسية أيضا؛ إذ لا يسلم بمعرفة آتية بغير الحواس، فالأفكار التأملية ليست غريزية، ولا روحانية، بل نتيجة الاختبار.
ثم أنطوني كولونس تلميذ كوك ذهب إلى أبعد من معلمه، وفي كتابه «الفكر الحر» المنشور سنة 1713 طعن في التوراة، ونفى الدين، وأنحى على علم اللاهوت، ولم يسلم بشريعة غير شريعة العقل.
Неизвестная страница